ويكيليكس العربية

"حقُّ الأُمم "والشعوب" في تقرير مصيرها" هو أمْرٌ لا ريب في شرعيته الدولية؛ وكان رئيس الولايات المتحدة ويلسون هو الذي ابتدع هذا المصطلح بعد الحرب العالمية الأولى؛ وقد اتُّخِذَ هذا المبدأ أساس "من أُسُس" معاهدة فرساي التي وقَّعتها الدولة المتقاتلة في تلك الحرب.


والمعنى التاريخي لهذا الحق، أو المبدأ، هو "الانفصال "الاستقلال""؛ فكل أُمَّة مستعمَرة أُقِرَّ "دولياً" بحقِّها في الانفصال "الاستقلال" عن الدولة المستعمِرة، وفي أنْ تؤسِّس لها، من ثمَّ، دولتها القومية. وأطْلَقَ الأخذ بهذا المبدأ جدلاً واسعاً، مداره تعريف "الأُمَّة"؛ وما زِلْنا نَذْكُر الجدل بين الستالينيين العرب في شأن "هل العرب جماعة يمكن أنْ يشملها تعريف الأُمَّة" الذي أبدعه ستالين، والذي لتهافُت المنطق فيه استنتج الستالينيون العرب، أو قرَّروا، أنَّ العرب ليسوا "من "الوجهة العلمية"" بـ"أُمَّة"، وأنَّهم، في أحسن الأحوال، يمكن أنْ يكونوا "أُمَّة قيد التكوين".

ولقد فَضَّلْتُ، في هذا الجدل، "مثالية" كاوتسكي على "ميتافيزيقية" ستالين؛ وكان كاوتسكي قد غرس وجود "الأُمَّة" في "الشعور"، قائلاً إنَّ الأُمَّة هي كل جماعة تَتَّحِد لغوياً وثقافياً، ولها تاريخ واحد، وتراث واحد، ويشعر أبناؤها بالانتماء إلى أُمَّة واحدة، وإنْ لم يتهيأ لها بعد "الأساس الاقتصادي" لوحدتها في دولة قومية واحدة.

أمَّا ما ذَكَّرني بها الجدل، وحَمَلَني على التذكير به الآن، فهو تعاظُم مخاطِر الانقسام والتجزئة التي تُحْدِق بكثيرٍ من الدول العربية، وفي مناخ "الربيع العربي"، الذي هو في جوهره وأساسه ثورة للشعوب العربية من أجل نَيْل "الدولة المدنية الديمقراطية".

قبل "الربيع العربي"، تأكَّد لنا، وثَبُت، أنَّ الدَّعوة إلى "الدولة العربية القومية الواحدة "ولو في شكلها الفدرالي"" قد أصبحت أثراً بعد عين، وبدا المستمسكون بها طوباويين حالمين مثاليين، وبدا، أيضاً، أنَّ قَدَر "الأُمَّة الواحدة" أنْ تظلَّ مجزَّأة، وأنْ تظلَّ كل "شظية" منها على هيئة "دولة". ومع حلول "الربيع العربي"، بدا لنا أنَّ كل "شظية" هي الواحد الذي شرع يتعدَّد، أو يمكن أنْ يتعدَّد؛ وكأنَّ "حق تقرير المصير" يشمل، أو يوشك أنْ يشمل، الجماعات دون القومية، كـ"الطوائف الدينية".

وإنِّي لأتَّهِم كل نظام حكم عربي دكتاتوري شمولي "فردي، عائلي، فئوي" بارتكاب هذه "الجريمة" في حقِي شعبه ومجتمعه، وفي حقِّ أُمَّته؛ فهو لم يفعل إلاَّ كل ما وسَّع وعمَّق تجزئة الأُمَّة الواحدة؛ أمَّا "دولته" فلم تَعْرِف من طرائق وأساليب الحكم إلاَّ ما جَعَل المجتمع على هيئة قبائل متناحرة، وإنْ ظلَّ تناحرها زمناً طويلاً كجمرٍ تحت الرماد.

لقد تكاثرت الانتماءات والهويات الصغيرة الضيِّقة؛ ولم يكن ممكناً غير ذلك في دولٍ لم تَعْرِف شيئاً من الحياة الديمقراطية بأوجهها كافة، وأظهرت عجزاً متزايداً عن التنمية الاقتصادية والصناعية بما يسمح باندماج الجماعات دون القومية، كالطوائف الدينية والقبائل.

إنَّ التحدِّي الأعظم الذي تُواجهه شعوبنا ومجتمعاتنا في ربيعها الثوري الديمقراطي هو التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية، يتضاءل فيها وزن الدافع لدى كل مواطِن إلى الاحتماء بعصبية ما، وإلى أنْ يعي وجوده ومصالحه وحقوقه بالطائفة الدينية، وبأشباهها من الانتماءات والهويات الصغيرة الضيِّقة، وتُوجَّه فيها التنمية الاقتصادية والصناعية بما يسمح بمزيدٍ من الاندماج بين الجماعات الدينية والقبلية، وبتغليب كفَّة الاتِّحاد على كفَّة الانفصال، وكفَّة العيش المشترَك على كفَّة الاقتتال.

ولن يحرز "الربيع العربي" نصره النهائي والعظيم إلاَّ بالوحدة الديمقراطية لكل دولة عربية، وبجعل هذه الوحدة طريقاً إلى الوحدة القومية العربية؛ فإطاحة كل نظام حكم عربي دكتاتوري شمولي يجب أنْ تكون المَدْخَل إلى هذا الإنجاز وذاك.

مشاركة العضو الباحث / جواد البشيتي

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم