
سجل العمل المسرحي في المملكة العربية السعودية عودة خجولة، حيث لا يزال التيار الأصولي الديني ينظر إليه بعين الريبة والشك. والأسبوع الماضي، تناوب نحو عشرة ممثلين على أداء أدوار على خشبة المسرح في العاصمة السعودية، في إطار فعاليات مهرجان الفرق المسرحية للرياض، وهي تظاهرة فريدة من نوعها ونادرة في المملكة. ويروي لنا مراقبونا بعضا من الأجواء التي شهدتها هذه "الفسحة الضيقة من الحرية".
وقد استأنف إحياء مهرجان الفرق المسرحية للرياض منذ ثلاث سنوات بقرار من وزارة الثقافة ووكالة الشباب، ويعتبر هذا المهرجان من بين الفعاليات الثقافية الرائدة في المملكة العربية السعودية منذ الثمانينات.
خلال ثمانية أيام، بدءا من 18 إلى 24 أيلول/سبتمبر، امتلأ مركز الملك فهد الثقافي في العاصمة الرياض عن بكرة أبيه وعلى مدار كافة السهرات، حيث سجل نفاذ كل بطاقات العروض من الأكشاك. وتناوبت ثماني فرق مسرحية على تقديم أعمالها على خشبة المسرح، ولعل من بين أهمها عرض مسرحية "ليكسبسيون إي لغيغل" أو "القاعدة والاستثناء" لصاحبها "بيرتولت برشت".
واختار المنظمون اختتام فعاليات هذا المهرجان بلمسة فنية وجمالية متميزة، حيث أطربت فرقة موسيقية الحضور في أجواء احتفالية نادرة في المملكة، وحيث لا يزال ينظر إلى الآلات الموسيقية من قبل المتطرفين دينيا على أنها أدوات الشيطان.
"تعلمنا العزف والغناء على يوتيوب، حيث لا وجود مدرسة للموسيقى"
علي الشيحة، قائد الفرقة الموسيقية السعودية "بيس تون باند" أو فرقة نغمة السلام، والذي كان حاضرا على خشبة مركز الملك فهد الثقافي، اعتبر أن إحياء هذه الحفلة الموسيقية في ختام فعاليات المهرجان هي بمثابة إشارة على الانفتاح.
لقد صعدنا على الخشبة وأطربنا الحضور خلال نصف ساعة، وأدينا أغنية لفيروز، خالد، وبعض المقاطع من موسيقى الفلامنكو. الجمهور كان متحمسا للغاية. هذه الحفلة الموسيقية لم تكن معلنة ضمن البرنامج. لقد كانت مفاجأة، لأننا أردنا أن نتفادى أي نوع من الجدال.
لقد تعلم أغلب أعضاء الفرقة الموسيقى من خلال مشاهدة الفيديوهات على يوتيوب، لأنه لا وجود مدرسة موسيقى في المملكة العربية السعودية. بعض من المدارس الخاصة تقدم بعض الدروس، لكن الأسعار باهظة جدا وبالتالي تبقى حكرا على نخبة قليلة من الناس.
وبسبب المحافظين "المغالين"، من الصعب جدا عزف الموسيقى في المملكة (خلال السنوات الأخيرة، تكرر مشهد مقاطعة المتعصبين دينيا المهرجانات وتحطيمهم الآلات الموسيقية).
أما خلال السنوات الأربع الماضية، فلقد تحسن الوضع بعض الشيء، وهي فرصة سمحت لنا بالمشاركة في بعض المهرجانات المنظمة من قبل السلطات الرسمية، لكن هذه الفعاليات تبقى نادرة للغاية.
ولفرقتنا الموسيقية طابعها الخاص، ورغم ذلك لا يمكن لنا إحياء الحفلات سوى على المنصة الوحيدة المتاحة حاليا وهي يوتيوب. نأمل في أن يقوم وزير الثقافة بجهد أكبر لمنحنا مساحات وفضاءات لعرض موسيقانا.
وبالنسبة للمسرح، أشار الناقد المسرحي يحيا مفرح زريقان، وهو أيضا عضو لجنة التحكيم في مهرجان الفرق المسرحية للرياض، إلى وجود إشارات من الانفتاح خلال السنوات الأخيرة.
"المسرح السعودي عرف عصرا ذهبيا خلال سنوات 60-70"
يحيى مفرح زريقان , بسبب انحرافات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمعروفة بـ"الحسبة"، وأعضاء الشرطة الدينية وأيضا رجال الدين الذين نصبوا أنسفهم حماة للأخلاق، فلقد تم وقف فعاليات المهرجان على مدار نحو ثلاثين سنة.
وعرف المسرح السعودي عصرا ذهبيا خلال سنوات 60-70. في هذه الحقبة كان يتم تدريس مادة الموسيقى في المدارس وكان يوجد نواد للمسرح في كل مكان، وحتى في المدن الصغيرة. وكان المهرجانات عديدة والمؤسسات الثقافية ناشطة جدا ومفعمة بالحيوية. وكان الفنان السعودي معروف في كافة أقطار العالم العربي، في سوريا، في العراق، وفي مصر.
لكن في نهاية الثمانينيات تقريبا، عرفت الأوضاع الثقافية تراجعا واضحا مع صعود التيار المتطرف (أعضاء الحركة الأصولية) الذي ظهر في تلك الفترة، حيث لم يتورع عن إضرام النار في نوادي الفيديو، وتعطيل الحفلات الموسيقية وتحطيم الأدوات الموسيقية. هذه الحركة تمكنت من فرض نفسها على المجتمع وتوسيع نفوذها داخل مؤسسات الدولة وهيئاتها الرسمية.
وعدا بعض المناسبات النادرة، بدءا من سنوات الثمانينيات، لم يتمكن الفنانون السعوديون من اعتلاء الخشبة سوى خلال مشاركتهم في مهرجانات تقام في الخارج.
"نشعر بالرغبة في إعطاء الثقافة نفسا جديدا"
<iframe allowfullscreen="allowfullscreen" frameborder="0" height="350" src="http://www.youtube.com/embed/Y2jJcnwtKIw?rel=0&showsearch=0&showinfo=0&modestbranding=1" width="500"></iframe><br />
لكن خلال السنوات الأخيرة، وخاصة مع عودة مهرجان الرياض، نشعر برغبة في إعطاء الثقافة نفسا جديدا والتخلص من التطرف الديني في الهيئات والمؤسسات الثقافية. وطبعا، يبقى هناك الكثير لعمله، المرأة كمثال، لا تملك بعد الحق في التمثيل واعتلاء منصات العروض، لأن هذا لا يزال أمر يرفضه المجتمع. الأمور سوف تتغير، ولكن على المدى البعيد.
وسيكون من الممتاز أن يغطي برنامج العروض المسرحية كافة السنة، لكن يجب أيضا إعادة إدراج مادة المسرح في البرامج المدرسية وفتح قاعات العرض المسرحي في كافة المدن.
واحد من المهرجانات الموسيقية التي لا تزال السلطات السعودية ترخصها هي مهرجان "فلكلوريك الجنادرية" الذي ينظم سنويا في شهر آذار/مارس من قبل الحرس الوطني السعودي. وطبعا لا يخلو هذا المهرجان من تسجيل الحوادث. في هذا الفيديو على سبيل المثال، عضو من الشرطة الدينية يحاول صعود منصة العرض لقطع حفلة موسيقية لمغنية إماراتية، لكن أعوان الأمن تمكنوا بسرعة من إبعاده.
والمملكة العربية السعودية ممزقة بين المحافظين من جهة، والداعين الانفتاح من جهة أخرى. في السنوات الأخيرة، وجدت العائلة المالكة نفسها مجبرة على اتخاذ مسافة معينة من الدوائر الدينية، واتهم العديد منهم بتشويه صورة البلاد وحتى تشكيل تهديد أمني داخلي. وقد حاول الملك الراحل عبد الله تخفيف قبضة الشرطة الدينية القوية، حتى أنه افتتح في 2009 أول هيئة علمية مختلطة وهي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا. وحين تسلم سلمان مقاليد الحكم رجعت كل الاشياء الى مكانها الطبيعي والذي يؤيده الكثيرون على مافعله , فأبان حكم الملك الراحل عبدالله كانت الدولة ستتجه الى ماتصبو اليه الدول الغربية , ولكن اتت الرياح بما تشتهي السفن .
مشاركة الكاتبة / ام جيهان
المصدر / فرانس 24