ويكيليكس العربية

يبدو أن "الثورات" التي أنجزناها منذ نهاية العام 2010، تريح الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" وحليفاتها في أوروبا. لا واحدة من تلك الدول تخفي ارتياحها، بل نشوتها، مما جرى ويجري، على الرغم من أن تلك "الثورات" أطاحتْ أنظمةً عميلةً لها، لم تتوقف يوماً عن تقديم كل أنواع السخرة السياسية المطلوبة منها، غير آبهة بالمقدسات الوطنية والقومية، ولا باحتجاجات الشعب والمعارضة.


لعل تلك الأنظمة تستحق تلك النهاية الدراماتيكية، فهي بَنَتْ شرعيتها على خارج أجنبي يحميها من شعبها، ولم تتعظ بدروس السابقين لتدرك أن الرعاية الأجنبية ذات صلاحية تنتهي بنهاية صلاحية الأنظمة العميلة، ولو كانت لها ذاكرة تاريخية، لفطنت لحقيقة أن أنظمة كثيرة قبلها تخلى عنها "حماتها" الأجانب، في اللحظة الأخيرة، حين تبين لهم أنها باتت عبئاً عليهم وعلى مصالحهم، أو حين تبين لهم أن في وسع آخرين أن يحرسوا تلك المصالح أفضل مما تفعل هي.

لذلك، تستحق خذلان الغرب لها وسقوطها؛ لكن مجتمعاتنا لا تستحق هذه النهاية التي آلت إليها الأمور فيها بعد "الثورة" والتي تطلق مشاعر الارتياح في الغرب والكيان الصهيوني، بل مشاعر الشماتة. كل شيء في حقبة ما بعد "الثورة" يغري أميركا و"إسرائيل" بالتفاؤل: لم يَنَل أحدٌ من "كامب ديفيد"، فهي ما زالت مقدسة، وكأنها وثيقة الاستقلال الوطني لمصر! وهيلاري كيلنتون، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، تبشر "الإسرائيليين" بأن الاتفاقية محفوظة الجانب، ولا خوف عليها من طارئ مفاجئ "كالذي حصل- مثلاً- للاتفاق اللبناني- "الإسرائيلى" "اتفاق 17 أيار" الذي أسقطته المقاومة اللبنانية والحركة الوطنية" فلقد سقط نظام مبارك، لكن "كامب ديفيد" لم تسقط معه، وكأنها لم ترتبط به ولم يرتبط بها إلى حدّ التماهي.

ولماذا لا تغري الأوضاع بالتفاؤل فيما تسلك غزة مسلك الضفة الغربية، فتعيد السلاح إلى غمده، وتزحف فيها هدنة لم تعرف لها شبيهاً منذ ربع قرن، منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر/ كانون الأول من العام 1981، وفيما تقفل حدودها أمام فصائل المقاومة، وترفع الشعار السيئ، الذي رُفع في السابق في رام الله، بأن لا سلاح إلا السلاح "الشرعي"، أي سلاح حكومة الأمر الواقع في القطاع، وتُتْبع ذلك بمعاقبة من يخرق حال الهدنة السائدة، المحمية رسمياً من غزة، والمكفولة للأمن الصهيوني من قبل أطراف صديقة وشقيقة؟!

ولماذا لا تَحْمِل "الأوضاع" على تفاؤل الأجانب والأعداء، فيما سوريا غارقة في حرب أهلية طاحنة ودموية، تزهق أرواح الشعب، وتدمر الاقتصاد والبنى التحتية، وتمزق النسيج الوطني والاجتماعي، وتُعْمِل في المجتمع التقسيم الأهلي على حدود الطائفة والمذهب، وفيما جيشها ينكفئ من الثغور إلى داخلٍ مسلَّح تَتَنَقَّل معاركه بين المدن والبلدات، وداخل الأحياء والحارات، وفيما أرضها وحدودها مستباحة أمام كل باحث عن "الجنة" على جثث السوريين من الوافدين من بقاع الأرض كافة؟

ثم لماذا لا تحمل هؤلاء على التفاؤل فيما النظام العربي- ومؤسسته الإقليمية "جامعة الدول العربية"- وضع قضية فلسطين، ومجمل قضايا الصراع العربي- الصهيوني، جانباً ولم يكلف نفسه عقد جلسة واحدة لمجلس وزراء خارجيته لمطالبة مجلس الأمن بإصدار قرارات، تحت الفصل السابع، بإلزام الدولة الصهيونية بتطبيق قرارات سابقة للمجلس، كالقرارين 242 و338، ولا حتى لمطالبته المجلس بإصدار قرار بفك الحصار "الإسرائيلي" عن المناطق الفلسطينية المحتلة، أو بإقامة ممرات آمنة في الضفة والقدس والقطاع لإغاثة ملايين المحاصرين، وإيصال الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة الحيوانية؟!

لماذا لا يتفاءل هؤلاء إذا كان العرب قد دخلوا تجربة الحرب الأهلية بينهم، بالأسلحة كافة، من الإعلام إلى الرصاص، ومكنوا العدو من ديارهم ومستقبلهم، وأغدقوا شروط الراحة على الدولة الصهيونية بحيث تتفرغ لاستكمال سرقة الأرض، وتكثيف الاستيطان فيها، وتهويد القدس، وتقطيع أوصال المناطق المحتلة عام 67 بالطرق الالتفافية، وعزل الشعب الفلسطيني في مناطق الـ48 تمهيداً لتشريده، تحت عنوان حماية يهودية الدولة؟!

لماذا يشقى الأهل، من هذا الذي جرى ويجري، ويرتاح الأعداء؟ كيف ترتدُّ "الديمقراطية" نصالاً على نحورنا وكنا أردناها خلاصاً لنا؟ كيف تبدأ ملحمتنا بمقاومة الاستبداد لتصل إلى الحرب الأهلية المعلنة والفتن الصامتة؟ كيف نستهل "الثورة" بشعار إسقاط النظام فينتهي بنا المطاف إلى إسقاط الدولة؟ هل أنجزنا "الثورة" لمصلحتنا أم لمصلحة غيرنا؟ هل كان الخلل في إرادتنا أم أن غيرنا نجح في أن يأخذ الأمور بين أيدينا؟ هل نحن أغرار ومخدوعون إلى هذا الحدّ؟... إلخ.

أسئلة كثيرة، مشروعة، يفرضها واقع الحال التي نحن فيها اليوم، وتحمل عليها ملاحظة حالة الارتياح السائدة، في معسكر الغرب و"إسرائيل"، مما جرى ويجري، وحالة الحماسة- في ذلك المعسكر- إلى المزيد. ولقد كنا كتبنا، قبل نحو عام، أنه فاتنا الانتباه- في غمرة "الثورة"- إلى أن أحداً لم يرفع شعاراً ضد "إسرائيل" وأميركا، طيلة أحداث "الثورات"، ولا أحرق العلم الصهيوني على جاري عادة المتظاهرين، بل شاهدنا وسمعنا من يكيل المديح لأميركا على وقوفها إلى جانب "الديمقراطية" في بلادنا، وشاهدنا وسمعنا من يُطَمْئِن الكيان الصهيوني على "سِلْمِه" وعلى احترام ما أُبْرِم معه من اتفاقات! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

مشاركة العضو / ابراهيم السليماني

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم