
لحظة جنون ... انه الوصف الذي يمكن ان نطلقه على ما يحدث حولنا، ولكنها لحظة جنون طويلة عابرة للمقاييس الزمنية المتعارف عليها وهي غير متوقفة بل لحظة مستمرة. لحظة جنون تقاسمتها الطبيعة (زلزال اليابان) والانسان في فعله الثوري وردود افعال الطغاة.
لحظة جنون تصيب اي متابع منا بالارتباك والحيرة والذهول.. امام غضب لا يقوى على مواجهته وغضب طفح الكيل عن ابقائه في الصدور. لحظة جنون، العاقل فيها مجنون والمجنون فيها سيد العقلاء.
الطغاة والمستبدون والفاسدون وحثالة السراق والناهبين يتنادون لحماية بعضهم وشد ازر الضعيف منهم والاستماته في بقائه واقفا في موقعه.
بدون حياء، فلا حياء للعربان بعد سقوط اصنامهم الصغيرة وفراعنتهم الكبار، يجمعون متوسلين التدخل الاجنبي لحماية الليبيين عبر فرض منطقة للحظر الجوي على طائرات مخبول الاسرة العربية واشهر الحكام المجانين، القذافي، وهو موقف يعيدنا الى ذاكرة القتل المر الذي استباح مدن العراق الجنوبية عام 1991 حين انتفضوا ضد طاغيتهم صدام حسين ولم يمتلك العرب ساعتها ذرة من غيرة او شرف يعربي وهم يرون اخوة لهم في الجغرافيا والتاريخ والدين المشترك يستباحون بتلك الضراوة والحقد.. وهو انحطاط يبلغ ذروته بعد العام 2003 حين استنكف جل العبيد المناكيد من الحكام العرب ان يضمدوا جراحات اخوة لهم بل اوغلوا فيها سكاكينهم ولكن هذه المرة على حساب اكثرية طفح بها الكيل وهي مسحوقة منذ 1200 عام.
يا للخيبة والخسران.. الشيعة قادمون وسيحكمون.. واين؟ دار الخلافة الاسلامية.
التدخل مشروع في هذه الحالة، فالسنة تحتاج الى حامي الحمى، ومن يذود عنهم امام تلك الاغلبية الساحقة من الفقراء والمعوزين والهامشيين.. انهم سيكونون حماة السنة، عرب العراق الاقحاح، بوجه الفرس والمجوس وابناء المتعة والمعدان والشروكية وغيرها من التوصيفات التي تنهل من التاريخ وكهوفه المظلمة.. ونسوا المعلم الاول في حضارة يدعون الانتساب اليها.. وتناسوا واضع علم النحو وعلم الصرف وتناسوا المعلم الثاني وتناسوا المتنبي شاعر عروبتهم والفرزدق والجواهري شاعرهم الاكبر.. وتذاكروا قادتهم العظام.. طابور طويل من القتلة واولاد الزنا والامهات اصحاب الرايات، عاهرات الجاهلية، والسكيرين وكاشفي مؤخراتهم خوف الموت.. وكل طابورهم الطويل لا يعادل قامة ثقافية شيعية واحدة مرت في تاريخهم الذي قام على القتل والطوامير وقطع الرؤوس.
لحظة جنون تجعل اكثر متنوري الشيعة يلجأ الى طائفته يحاول ان يقدم العزاء والمواساة، ويكفر بكل دعاوى العيش المشترك والتسامح والخلق النبيل.
حتى اخر لحظة من عمر هذه اللحظة المجنونة المتواصلة كانت السعودية تستميت بالدفاع عن حسني مبارك.. وهي التي فتحت اذرعها لاستقبال من هرب من القصاص العادل لشعيه الى قصور جدة المكرمة.. هل يكون على حكام العرب في زمن العهر والنفاق ان يكافئوا على نهبهم شعوبهم باستضافتهم معززين مكرمين في تلك القصور؟
في لحظة الجنون تلك ما اسرع الدوران 180 درجة لاقلام الكتاب والمفكرين دعاة حقوق الانسان والمجتمع المدني وثورات الشعوب على انظمتها.. لكن هؤلاء الكتاب يدافعون عن اخرين خلف قمة الجبل.. ويطاردون هؤلاء على نفس القمة المواجهة لهم.
في علم المنطق هناك قاعدة تقول (التباس المتعارض في المتناقض) وهي قاعدة سادت في التفكير السياسي اثناء المواجهة بين الشيوعية والنازية.. وتفترض هذه القاعدة حسب طريقة التفكير الشيوعية ان معارضة منهج النازية تعني دعما لمنهج الشيوعية.
السعودية ودول الخليج تعمل وفقا لهذه القاعدة وهي تتداعى لارسال قواتها الى البحرين لقمع المتظاهرين والحفاظ على سلطة النظام القائم.
طارق الحميد يكتب في الشرق الاوسط من وحي هذه القاعدة في عموده ليوم الثلاثاء 15 / 3 / 2011 وتحت عنوان (إيران طائفية.. ودرع الجزيرة لا) يعتبر هذه القوة العسكرية هي (من أجل الإسهام في إرساء الأمن والاستقرار).. وهي على حد وصفه (لم تذهب نصرةً لطائفة، بل استجابة لدعوة رسمية من البحرين) ومبررا ذلك بانها (ذهبت إلى البحرين وفق الاتفاقات والمواثيق الخاصة بمجلس التعاون الخليجي، وهي القوات نفسها التي هبت لنجدة الكويت يوم الغزو العراقي).. وتبريره مردود عليه بالتذكير بدورها في النزاع العراقي – الكويتي لانها في تلك الحالة ذهبت الى الكويت في اطار طرد احتلال خارجي وضمن ائتلاف دولي قادته الولايات المتحدة الامريكية وثلاثين دولة اخرى وتحت مظلة الامم المتحدة.. وفي الحالة الثانية هو حراك سياسي داخلي آثر النزول الى الشارع للمطالبة بحقوقه.. اي ان قوات درع الجزيرة تتدخل في شان بحريني داخلي يذكّر بالتدخل السوري في لبنان ايام الحرب الاهلية وما ترتب عليه حتى الان.
ويستمر الكاتب مواصلا تبريره (أن قوات درع الجزيرة التي وصلت إلى البحرين ليست قوة عسكرية، بل هي قوة أمنية)..ولا ادري ماذا يعنيه الكاتب بقوة امنية لافضّ فوه؟ هل يعني ان هذه القوة تحمل الورود من جوري ورازقي وقرنفل في ناقلاتها وبين ايدي افرادها؟ ام انها تحمل اغصان الزيتون واعواد البخور والشموع لتشارك المتظاهرين مراسم حزنهم لقتلاهم وجرحاهم؟
ويستمر الكاتب في السير على قاعدة (التباس المتعارض في المتناقض) ويقول: (هذا كله بالطبع لا يوحي أبدا بنفس طائفي، بل إن الطائفية هي عندما تريد فئة من المجتمع فرض رؤيتها السياسية وحدها على الدولة من دون أن يتحقق لتلك المطالب إجماع وطني) وهو يرفض ان يعد 78 بالمائة من البحرينيين مصدر اجماع وطني متحقق، مفسرا ذلك بغياب الاجماع الوطني الذي يجده عند الفئة الاخرى في العراق مثلا حين تريد ان تفرض رؤيتها السياسية وتعيد عقارب الساعة الى الوراء كما كتب اكثر من مرة في نفس العمود طيلة السنوات الماضية.
ويستمر هذا التخريف والتحريف فيقول: (فالشيعة ليسوا وحدهم أبناء البحرين، فهناك سنة أيضا، والديمقراطية لا تكون وفق نسبة مقابل فئة أخرى، بل على أساس المشاركة والمواطنة).. وهي مغالطة لا يقوى عليها الا من اضاع بوصلة الحق من يده واخذ يتخبط ذات اليمين وذات الشمال.. فجوهر الديمقراطية يقوم على اساس مكين من صناديق الاقتراع التي تحددها نسب الارقام المشتركة في التصويت على الاسماء والبرامج ويتأسس عليها بالتالي طبيعة المشاركة وشكل المواطنة.. اما ان تكون الديمقراطية كما يراها الكاتب فهي تذكرنا بخرابيط مجنون الاسرة الحاكمة العربية حين يقول (ارقصوا افرحوا غنوا) وقواته تقصف الراقصين والفرحين والمغنين.
ينتقل الكاتب بعد هذه التبريرات والترقيعات اللوذعية الى ايران وهي هنا مربط الفرس فيما يريد قوله، قبل ذلك اريد ذكر ملاحظة صغيرة حول ايران.
كانت الكتابات العربية التاريخية قبل تحول ايران الى المذهب الشيعي تذكر في تلك الكتابات ب (ايران الاسلامية) وبعد تحولها الى المذهب الشيعي اصبحت الكتابات العربية تذكرها ب (ايران الفارسية والمجوسية).
نعود الى ما يذكره الكاتب حول تصريح وزير الخارجية الايراني قائلا: (إن تصريح وزير الخارجية الإيراني يظهر حجم الطائفية المقيتة لدى حكومة طهران.. فإيران ليست حريصة على أمن البحرين وسلمها الأهلي بقدر ما أنها حريصة على طائفة. وحديث صالحي عن أن السعودية تريد إبادة الشيعة دليل صارخ على خطورة ما تفعله إيران في منطقتنا).
حلال على السعودية ان تتدخل في العراق لنصرة طائفة ضد طائفة اخرى عبر فتاوى علماء البلاط السعودي التي تشبه وجوههم الكالحة وترسل تلك النفوس الميتة لتصحب العشرات من العراقيين الى موت بشع يرفضونه، وحرام على ايران ان تصرح على لسان مسؤوليها بتصريح يتكرر على السنة الكثيرين من قادة العالم المتحضر في تعاطيهم مع الشأن الليبي وهم يرون عمليات الابادة والجرائم ضد الانسانية ترتكب بحق العزل والمدنيين.
لم يتحفظ السعوديون طيلة السنوات الماضية عن دعم الجماعات المسلحة بالمال والمقاتلين والعقائد ويطالبون الاخرين ان لا يقوموا بالمثل فتلك تعد بنظر الكاتب قمة الطائفية مقابل الوطنية التي يدعون حمل لوائها والدفاع عنها.
هل تعرف ايها الكاتب الهمام ماذا يقول العراقيون عن السعودية بعد ان كفروا بأواصر الاخوة والجوار؟ انهم يقولون ماذا حصلنا من السعودية غير المفخخات والغبار الذي يهب علينا من صحرائهم القاحلة التي تشبه وهابيتهم التي الحقت العار بالاسلام والمسلمين وجعلت الاخرين يسموهم بالإرهاب والاسلام بدين القتل؟