ويكيليكس العربية

يبدوا أن السعودية تعيش هذه الأيام أجواء من التغيير الذي من المرجح أن يذهب بها إلى أجواء الربيع الذي حل في دول عربية قبلها.



هل يريد السعوديون التغيير؟وباتت المسألة في السعودية بحسب الكثير من المراقبين مسألة وقت وزمن قد لا تنفع معه خطوات النظام الاستباقية لضبط الأوضاع الداخلية، سواء عبر العطاءات والمغريات النفطية التي قدمها لتهدئة الاحتجاجات التي قد تتوسع دائرتها فيما بعد، أو عبر اعتماده على عمق التحالف الاستراتيجي مع السلطة الدينية لتبديد شمل المعارضة وتفريقها شرعا!، أو عبر استحضار الحليف الغربي الذي يشكل دعامة أساسية للنظام. وأيا كان حجم ومستوى الخطوات الاستباقية للجم أي محاولة احتجاج شعبي ومدى تأثيرها على مجموع الوعي السعودي العام إلا أن علامات القلق بدأت تظهر على أركان النظام وبدأ يشعر انه أمام تحديات جسيمة. 

هذه التحديات التي نتجت جراء أزمة حاصلة في السعودية، وهذه الأزمة لم تكن ظاهرة فريدة من نوعها، بل تكونت رويدا وبالتدريج عبر تراكم الوقائع الملموسة والمعاشة التي من شأنها التأثير في الوعي الجمعي. ولذلك فإن الاحتجاجات السعودية ليست ظاهرة غريبة، أو أنها فعل عاطفي اجتماعي آني عابر، أو أنها نشأت بين لحظة وأخرى. وبالرغم من تأثير الاحتجاجات في عدد من الدول العربية إلا أن رد الحالة السعودية إلى تلك العوامل هو من باب عدم معرفة بحيثيات المجتمع والعلاقات السياسية والاقتصادية. فما يجري في بعض المناطق في السعودية لم ينتج بمعزل عن أشكال أولية كانت تعبر عن عمق الأزمة التي يعاني منها المجتمع ، فكان الهمس أحيانا والتندر على شبكات النت، والامتناع عن الكثير من مطالب الدولة والاحتجاج عليها في بعض الأحيان. 

فهل السعودية حقا باتت جاهزة لقبول التغيير؟ وهل النظام لديه قدرة على احتواء مطالب الحراك الشعبي كما جرت عليه العادة منذ القدم؟ ولكن بالمقابل كيف يقرأ صناع القرار في المملكة المؤشرات الاقتصادية – الاجتماعية كارتفاع معدلات البطالة وإضراب طالبات جامعة الملك خالد في أبها في الأيام الماضية؟ الم تكن هذه الأسباب هي ذاتها التي سببت اندلاع الانتفاضات في عدة دول عربية أخرى؟ وما هو الدور الحقيقي للمعارضة الشيعية في الحراك الحاصل في السعودية والمتواجدة في المنطقة الشرقية؟ 

تساؤلات كثير تثور في الذكرى السنوية الأولى لـ"يوم الغضب"، الذي تمر ذكراه هذه الأيام . حينها لم تتمكن الحركة الاحتجاجية من الانتشار واثبات أنها حركة شعبية ذات مشروع تغيير وطني ديمقراطي نابع من حاجات الشعب السعودي في الإصلاح . 

وذلك لعدة أسباب موضوعية أهمها أن النظام لم ير فيها حراكا شعبيا بالأصل، بل وحسب روايته الرسمية فإن كل ما يجري على ارض المملكة هو عمل مجموعات مسلحة، مرتبطة بالخارج، تمارس العنف والتخريب، وقد جيّش الموالاة على هذا الأساس، وسخّر جميع مختلف وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية لتأكيد هذه الحقيقة كي يبرر قمعه متعدد الأشكال للحركة الاحتجاجية الشعبية. كما أن للخصوصية الجغرافية والطائفية والقبلية لتمركز الحراك في شرقي المملكة والتي يعتبرها البعض بعيدة عن المركز "الرياض"سبب في الفشل، حيث تهيئة التربة الخصبة للانقسامات التي قد تحدث كانعكاس طبيعي للتركيبة الديموغرافية للبلاد. علما أن المنطقة الشرقية تحتوي على 90 في المئة من احتياطيات النفط في البلاد، إلا أنها من الأشد فقرا في السعودية، وبحسب تقارير رسمية فإن سكانها يشتكون منذ وقت طويل من التمييز المذهبي. 

لكن اليوم "بدأت انتفاضات دول الجوار تنعكس على الداخل السعودي، وتبدو المملكة مهيأة لقبول ذلك اجتماعيا وسياسيا، كما أن هذا القبول يكشف حجم الصراعات بين الليبراليين والمحافظين والعديد من الأزمات والمشاكل ليس اقلها مشكلة البطالة المتفاقمة وما يرافقها من تظاهرات لطلاب وخريجي الجامعات. 

وتؤكد تقارير رسمية وجود نحو مليوني عاطل عن العمل في السعودية، في حين تصل هذه النسبة إلى عشرين في المئة بحسب مصادر غير الرسمية. وهذه الأرقام نفسها، وفقا لتقرير للباحثة إلهام فخرو نشره معهد "كارنيغي"، تكشف أن 670 ألف عائلة، أي حوالى ثلاثة ملايين شخص من أصل 18 مليون نسمة، تعيش في الفقر. كما أن البؤس لا يقتصر على المناطق الريفية، فقد نقل وثائقي عُرض عن الفقر في الرياض مؤخراً شهادات عن عائلات تأكل وجبة واحدة في اليوم، ويقيم عشرون من أفرادها في المنزل نفسه. ويبلغ معدل الرواتب أقل من 1300 دولار في الشهر، مع وجود فجوة هائلة بين الطبقات الاجتماعية، خاصة أن 22 في المئة من السكان يعيشون في الفقر، ما يعني أنه ليس للثروة النفطية تأثير كبير على مستوى حياة المواطن العادي كما هي الحال في دول الخليج الأخرى.

بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية. وتؤكد الصحيفة أن السعودية هي المصدرة الأولى للنفط في العالم، لكنها مهدَدة بخسارة هذه المكانة بسبب الاستهلاك الداخلي المفرط للوقود الذي ينمو بنسبة سبعة في المئة سنوياً... كما أن الخطط الطويلة الأمد لم تنجح في تنويع الاقتصاد: ما زالت الحكومة تستمدّ نحو 75 في المئة من إيراداتها و90 في المئة من عائداتها التصديرية من النفط، ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي للفرد في السعودية الأدنى بين بلدان مجلس التعاون الخليجي. 

وترى صحيفة "الغارديان" أن الخلافات بين أفراد الجيلَين الثاني والثالث في العائلة المالكة، اللذين تتعارض آراؤهما حول وتيرة الإصلاح ومساره، قد تخلق فرصةً لإعادة خلط أوراق التحالفات. فيما يسعى قادة جدد إلى تطوير مساحات نفوذ خاصة بهم. وفي الوقت الذي تستمرّ فيه التيارات المعارِضة في خوض معركتها تحقيقاً للربيع السعودي الذي تصبو إليه، سيتوقّف نجاحها في المستقبل على قدرتها على الاتحاد حول مجموعة وطنية مشتركة من المطالب السياسية، وعلى التخلّص من شياطين القبلية والمذهبية. 

ووفقا لتقرير "كارنيغي"، فإنه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حُكم على ستة عشر رجلا بالسجن لفترات طويلة بعدما حاولوا إنشاء منظمة لحقوق الإنسان. كما اعتُقِل مؤسّس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية في أيار(مايو9 الماضي، وكذلك عشرة أعضاء من حزب الأمة الإسلامي الذي طالب بتمثيل أكبر وبإنهاء الحكم الملَكي المطلق. ويوضع آلاف المواطنين أيضا في الحجز في مختلف أنحاء البلاد على خلفية تُهَم أمنية. 

علما أن المعلومات الخاصة تشير إلى أنه تجري حاليا مناقشة قانون جديد لمكافحة الإرهاب سيجيز تمديد الحجز من دون تهمة بموجب تعريفات واسعة للإرهاب تشمل "تعريض الوحدة الوطنية للخطر" و"الإساءة لسمعة الدولة أو مكانتها في العالم". 

في الواقع، يظهر إزاء كل هذه التجاوزات في حق الشعب السعودي قلق وهواجس شعبية ترى بالتغيير مغامرة محفوفة بالمخاطر ربما تفضي إلى فوضى كما هو الحال بالنموذجين الليبي واليمني المجاور للمملكة، كما أن الذهنية المحكومة بالرواية الدينية لدى عديد المعارضين استجابت بشكل أو بآخر إلى فتاوى ودعوات السلطة الدينية المتحالفة استراتيجيا مع النظام بـ"تحريم الاحتجاجات". 

يبقى التساؤل عن أولويات هذا الحراك والآلية التي سينتهجها في التعامل مع النظام؟ إذ أن الحركة الاحتجاجية على ما يبدوا أضحت أمام استحقاقات جوهرية بحيث على هذه الحركة ألا تنتظر ما سيعطيه النظام لها. بل عليها أن تطرح برنامجا يعكس مصالح أغلبية الشارع ويراعي مراحل التغيير، فعدم نجاح الشكل المفترض يعني بداهة عدم نضوج الشروط المطلوبة للتغيير. 

وإن عدم طرح برامج عملية بديلة يعني عجزا سياسيا واضحا يؤدي للتحول إلى أدوات أخرى بديلة للقصور التاريخي لهذا الحراك وحسبه سيذهب بالتغيير إلى تكاليف باهظة جدا.

مشاركة الاستاذ / سعيد الصمداني

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم