يتسأل البعض هل انتهت المعركة في روسيا أم أنها الآن قد بدأت؟ هل سيكمل فلاديمير بوتين مدة ولايته؟ ليست هذه الأسئلة من وضع محلل سياسي وإنما هي تقرير إخباري لمحطة الجزيرة الفضائية،


صبية صغيرة تكاد تقفز إلينا من الشاشة- كما أصبح أداء مذيعي الجزيرة منذ بداية التفاف "الربيع العربي" على حراك التغيير العربي. تلهث وهي تغطي فوز فلاديمير بوتين وكأن الرجل قاتل أبيها، وإذ تحيل التقرير إلى زملائها الميدانيين، فإنما لينقلوا التظاهرات المعارضة للرئيس الفائز، ومن ثم مقابلات مع عدد من الأشخاص ليس بينهم واحد إلا ويشتم الرئيس الروسي. بحيث تتساءل كيف حصل الرجل على 64 بالمئة من أصوات الروس؟ 

أداء إعلامي يجعلك تغرق في الضحك بعد أن غرقت منذ أشهر بردة فعل مغرقة في الحزن ومن ثم بالمقاطعة. 

ونبدأ من الأول، الحزن. أجل لقد صدقنا لعقد من الزمن إننا كإعلاميين وكسياسيين وكجمهور عربي بات لنا محطة فضائية تنافس الإعلام العالمي، بعد أن تعلمت درس البي بي سي في الموضوعية والدقة (النسبيتين-الذكيتين طبعاً إذ لا وجود لهما بالمطلق إلا لدى الملائكة). لقد بنت المحطة شعبيتها الهائلة على شعار بليغ "الرأي والرأي الآخر" الذي وضعه جميل عازر. وقد كنا من السذاجة بحيث صدقناه، ومنحنا المحطة شهادة مصداقية، لا ندري كيف ضحت بها ورمتها في النار الأطلسية. وإذ وصل الإعلاميون إلى مقولة محمد كريشان لصحافي أجنبي: " الآن استطيع أن أقول بفخر إنني صحافي عربي مسلم" فإنه لا بد لأي مهني أن يخجل الآن مما تبدى تحت القناع الذي لم يلبث أن رُفع.

قلنا، نحن المختصين العالمثالثيين، بأن "الجزيرة" أعادت الاعتبار لحملة أحمد مختار نبو ومصطفى المصمودي، عندما قادا ضمن اليونسكو في السبعينيات الحركة التي عرفت باسم (نوميك) أي النظام العالمي الجديد في مجال الإعلام والاتصال. ذاك أن الحركة المذكورة كانت تقوم على بندين كرسهما التقرير المعروف بتقرير ماك بريد: الأول: إلغاء مصدر التدفق الواحد (أي تدفق الأخبار والمعلومات من الشمال إلى الجنوب) واستبداله بمصادر تدخل متعددة ومتبادلة. أما الثاني فهو رفض الصورة التي يسوّقها إعلام الغرب عن الجنوب ويجعل جمهور الأخير يرى نفسه فيها (وفي هذا تقاطع مع استشراق إدوارد سعيد). نجحت النوميك في الحصول على أكثرية داخل اليونسكو، فانسحبت الولايات المتحدة احتجاجا وقطعت حصتها في تمويل المنظمة. ولم تعد إلا في عام 1991 بعد استقرار النظام العالمي الجديد، وبشرط أول، تمثل في تخلي لجنة التراث الإنساني عن التحقيق في نهب موقع أور كلدان العراقي من قبل الجيش الامريكي. 

في آخر التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة، كنا نقول إن الجزيرة وأخواتها كسرت مبدأ الخط الواحد لتدفق المعلومات، لكننا لم نلبث أن اكتشفنا أنها تنوب عن الشمال في رسم بيان هذه المعلومات، بل ورسم صورة الإنسان العربي، كما يريد أن يرسمها الغرب الأطلسي نفسه وفي ذلك إحالة إلى نظرية منظّرة إعلامية أمريكية هي إيثيل دي سولا باول تقول فيها إنه من الأفضل لنجاح استراتيجيتك الإعلامية أن تقدم ما تريد، لجمهور معين، بلغة أهله واسم أهله وخطاب أهله، فيما يظن أنه إعلامه الوطني. وهكذا أصبحنا نتلقى رواية الأطلسي بلغة عربية مسلمة.

تحوير الإعلام، التلاعب بالمعلومة، التخلي عن الموضوعية والمصداقية رغم كل الفضائح الإعلامية، أصابنا بالحزن لأن الحلم قد انكسر، ثم لم يلبث أن دفعنا للمقاطعة، ووصلنا أخيراً إلى مشاهدة القناة من حين لآخر بلامبالاة المراقب المحلل وكفى. خاصة عندما يبدو من خطاب تغطية انتخابات رئاسية في دولة عظمى، وكأن المحطة تتهيأ لدور ما على تلك الساحة نفسها، دور لا يندرج إلا في سياق الدور الأطلسي الذي تشكل روسيا هدفه النهائي. والذي لن يتأخر عن إثارة النعرات الدينية والعرقية واستغلال التمويل الخارجي لما يسمى منظمات المجتمع المدني. وفي كل ذاك ساحات جليدية يحلم بها بعضنا ملاعب كرة قدم من نار.

مشاركة الاستاذ / صفوان الدمنهوري
.

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم