استمرار خلافات الاسرة المالكة بعد تولي الامير نايف مقاليد ولي العهد .....

يجمع عدد من المراقبين السياسيين على ان النظام السعودي الدموي يظهر تماسكا ملحوظا ازاء موجة استياء شعبية عارمه ، غير انهم يختلفون حول قدرته على المقاومه في حال حصول اضطرابات او مظاهرات شعبيه ويشير المراقبون الى ان النظام السعودي يقوم على البنيه العائلية والطائفية بين عائلة الحكم ومجموعة من رجال الدين يمارسون ارهابهم الفكري على الشعب ، مستخدمين جماعات عنف معروفة تحت مسمى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجمع المراقيون السياسيون على ان النظام السعودي يعلم جيدا انه غير قابل للاصلاح بسبب طبيعته العائلية والدمويه المتسلطه ، ويجمعون على أن الدولة تسيطر على البلد ولم تحصل انشقاقات على مستوى عال، لكن من غير الممكن استمرار الوضع الراهن ... فاما ان تهدأ النفوس او ان تنفجر الدولة او يحصل انقلاب يقوده ضباط احرار


عودة الامير تركي المفاجئة تفتح ملفات اعادة ترتيب البيت السعودي .

دبلوماسي عربي مقيم في لندن طرح رؤيتة في حديث لـ'القدس العربي' لخصها بالقول ان القيادة السعودية منشغلة حاليا بهمومها الداخلية، وكيفية ترتيب اروقة الحكم، والسيطرة على صراعات بين الامراء الكبار حول مناصب عديدة قد تشغر في الاسابيع او الاشهر المقبلة.

ما يؤكد حديث هذا الدبلوماسي عودة الامير تركي بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع الاسبق الى الرياض بعد اكثر من ثلاثين عاما قضاها في القاهرة، وظهوره على رأس مودعي الامير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد وزير الدفاع المفتش العام اثناء مغادرته الى نيويورك لاجراء فحوص طبية.

وكالة الانباء السعودية الرسمية بثت خبر وصول الامير تركي قبل يوم واحد من مغادرة الامير سلطان الامر الذي اثار العديد من التكهنات حول توقيت هذه العودة ومعانيها في ظل التنافس بين ابناء الملك عبدالعزيز على مناصب هامة مثل ولاية العهد ووزارة الدفاع في حال لو اصيب الامير سلطان بمكروه لا قدر الله.

الامير تركي كان من اكثر الشخصيات المحبوبة في اوساط كبار قادة القوات المسلحة السعودية عندما كان نائبا لوزير الدفاع في فترة السبعينات من القرن الماضي، وقد اختلف مع اشقائه عندما اصر على الزواج من السيدة هند الفاسي (انتقلت الى رحمة الله قبل بضعة اشهر) على غير رغبتهم الامر الذي ادى الى استقالته او اقالته من منصبه، فغادر المملكة الى لندن ومنها انتقل الى القاهرة. من المؤكد، مثلما قال مسؤول سعودي سابق لـ'القدس العربي' ان جميع الضباط الكبار الذين كانوا يلتفون حول الامير تركي عندما كان نائبا لوزير الدفاع قد احيلوا الى التقاعد، ولكن هناك امراء في العائلة يريدون ان يلعب الامير تركي دورا في السلطة، خاصة ان من شاهدوه يوم حضوره لوداع الامير سلطان قالوا انه في صحة جيدة حسبما افاد المسؤول نفسه.
عدة امراء يتنافسون حاليا على منصب وزير الدفاع في حال شغوره، ابرزهم الامير سلمان بن عبد العزيز امير منطقة الرياض والمسؤول عن شؤون الاسرة الحاكمة، وكذلك الامير عبدالرحمن بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع حاليا.

ولا يمكن تجاهل الامير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع، ووزير الدفاع الفعلي الذي تولى مسؤولية تحديث القوات المسلحة السعودية في السنوات العشر الماضية، واشرف بشكل مباشر على الحرب ضد جماعة الحوثيين في اليمن عندما تجاوزوا الحدود واشتبكوا مع القوات السعودية داخل اراضي المملكة مما ادى الى تهجير سكان اكثر من خمسين قرية حدودية على الاقل.

ولا يغيب رجل الامن الاول في الممكلة الامير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني ووزير الداخلية عن صراع الامراء السعوديين على ولاية العهد والذي يعتبر الان المرشح الاول باعتبار منصبه الذي جرت العادة في السعودية انه في حال غياب الملك وولي العهد يتولى النائب الثاني امور البلاد، وقال المسؤول السعودي لـ'القدس العربي' ان الامير نايف كان على رأس مستقبلي الامير تركي لدى عودته للمملكة، اضافة الى انه الوحيد من الامراء الكبار الذي زار الامير تركي في القاهرة عقب وفاة زوجته هند الفاسي معزيا.

ويضيف المسؤول السعودي انه في حالة تفجر صرع ولاية العهد في السعودية سيكون الامير تركي الحليف الاقوى للامير نايف باعتبار العلاقة القوية التي تربط بين الطرفين.

.............................................................................

سيناريو اختيار ولي العهد الجديد ..

متابعات(حوار): ينتظر ان يجتمع مجلس العائلة المالكة في المملكة العربية السعودية لاتخاذ قرار بتعيين ولي عهد جديد بعد انتقال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز الى رحمة الله فجر هذا اليوم.

ويأتي ذلك كأول حالة في تاريخ المملكة العربية السعودية. والمطمئن هنا وجود تقاليد وآليات تضمن الانتقال السلس والاختيار المناسب.

ونعرض لكم السيناريوهات المتوقعة لذلك:

السيناريو الأول

والمرشح للتنفيذ تنصيب صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية لمنصب ولا ية العهد، وهو العرف الذي جرى تنفيذه سابقاً بتعيين من يشغل هذا المنصب لولاية العهد بعد شغورها.

السيناريو الثاني

أن يتم تنصيب أكبر أبناء الملك عبدالعزيز - رحمه الله الأحياء لولاية العهد بعد موافقة مجلس العائلة على ذلك، وترتيبهم كالتالي:

الأمير بندر بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مساعد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود

الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود

الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود

الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود

الأمير بدر بن عبد العزيز آل سعود

الأمير تركي الثاني بن عبد العزيز آل سعود

الأمير نواف بن عبد العزيز آل سعود

الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود

وفيما يلي النصوص الواردة حول ولاية العهد في نظام الحكم وهيئة البيعة:

الباب الثاني/ نظام الحكم

المادة 5

‌ا- نظام الحكم في المملكة العربية السعودية… ملكي.

‌ب- يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء… ويبايع الاصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة ورسوله.

‌ج- تتم الدعوة لمبايعة الملك، واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة.

‌د- يتولى ولي العهد متفرغا لولاية العهد.. وما يكلفه به الملك من اعمال.

هـ - يتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة.

المادة الخامسة والستون

للملك تفويض بعض الصلاحيات لولي العهد بأمر ملكي.

المادة السادسة والستون

يصدر الملك في حالة سفره إلى خارج المملكة أمراً ملكياً بإنابة ولي العهد في إدارة شئون الدولة ورعاية مصالح الشعب.. وذلك على الوجه المبين بالأمر الملكي.

هيئة البيعة السعودية وتشكيلها 

أعلن في 30 ذو القعدة 1428 هـ الموافق 10 ديسمبر 2007 عن تشكيل الهيئة برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود [2].

[عدل] بيان تأسيس الهيئة

وفيما يلي نص بيان الديوان الملكي الذي صدر بخصوص إنشاء هيئة البيعة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الرقم: أ/135

التاريخ: 26/9/1427هـ

بعون الله تعالى

نحن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود

ملك المملكة العربية السعودية

بعد الإطلاع على النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ / 90وتاريخ 27/8/1412ه.

وبعد الإطلاع على مشروع نظام هيئة البيعة.

وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة.

أمرنا بما هو آت:

أولا: إصدار نظام هيئة البيعة بالصيغة المرفقة بهذا.

ثانيا: تعدل الفقرة (ج)من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/ 90وتاريخ 27/8/1412ه لتكون بالنص الآتيج - تتم الدعوة لمبايعة الملك، واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة).

ثالثا: تسري أحكام نظام هيئة البيعة على الحالات المستقبلية ولا تسري أحكامه على الملك وولي العهد الحاليين.

رابعا: يبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه.

عبد الله بن عبد العزيز آل سعود

أنظمة ولوائح هيئة البيعة

المادة الأولى

تكون بأمر ملكي هيئة تسمى "هيئة البيعة" على النحو الآتي:

أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود.

أحد أبناء كل متوفى، أو معتذر، أو عاجز بموجب تقرير طبي، يعينه الملك من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، على أن يكون مشهودا له بالصلاح والكفاية.

اثنان يعينهما الملك أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد على أن يكونا مشهودا لهما بالصلاح والكفاية.

وإذا خلا محل أي من أعضاء هيئة البيعة، يعين الملك بديلا عنه وفق الضوابط المشار إليها في الفقرتين (2) و(3) من هذه المادة.

المادة الثانية

تمارس الهيئة المهام المنوطة بها وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم.

المادة الثالثة

تلتزم الهيئة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على كيان الدولة، وعلى وحدة الأسرة المالكة وتعاونها، وعدم تفرقها، وعلى الوحدة الوطنية، ومصالح الشعب.

المادة الرابعة

مقر الهيئة في مدينة الرياض، وتعقد اجتماعاتها في الديوان الملكي، ويجوز بموافقة الملك عقد اجتماعاتها في أحد مقار الديوان الملكي داخل المملكة، أو أي مكان آخر يحدده الملك.

المادة الخامسة

يؤدي رئيس وأعضاء الهيئة وأمينها العام قبل أن يباشروا أعمالهم في الهيئة أمام الملك القسم التالي: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لديني، ثم لمليكي وبلادي، وألا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها، وأنظمتها، وأن أحرص على وحدة الأسرة المالكة وتعاونها، وعلى الوحدة الوطنية، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة، والإخلاص، والعدل".

المادة السادسة

عند وفاة الملك تقوم الهيئة بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم.

المادة السابعة

يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، واحدا، أو اثنين، أو ثلاثة، ممن يراه لولاية العهد ويعرض هذا الاختيار على الهيئة، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتتم تسميته وليا للعهد. وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأي من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه وليا للعهد.

للملك في أي وقت أن يطلب من الهيئة ترشيح من تراه لولاية العهد.

وفي حالة عدم موافقة الملك على من رشحته الهيئة، وفقا لأي من الفقرتين (أ) و(ب) من هذه المادة، فعلى الهيئة التصويت على من رشحته وواحد يختاره الملك، وتتم تسمية الحاصل من بينهما على أكثر من الأصوات وليا للعهد.

المادة الثامنة

يجب أن يتوافر في المرشح لولاية العهد ما تنص عليه الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم.

المادة التاسعة

يتم اختيار ولي العهد وفقا لحكم المادة السابعة، في مدة لا تزيد عن ثلاثين يوما من تاريخ مبايعة الملك.

المادة العاشرة

تشكل الهيئة مجلسا مؤقتا للحكم من خمسة من أعضائها، ويتولى المجلس إدارة شؤون الدولة، بصفة مؤقتة في الحالات المنصوص عليها في هذا النظام.

وفي كل الأحوال ليس لهذا المجلس أي صلاحية لتعديل النظام الأساسي للحكم، أو هذا النظام، أو نظام مجلس الوزراء، أو نظام مجلس الشورى، أو نظام المناطق، أو نظام مجلس الأمن الوطني، أو أي من الأنظمة الأخرى ذات العلاقة بالحكم. وليس له حل مجلس الوزراء، أو مجلس الشورى، أو إعادة تكوينهما. وعلى المجلس خلال المدة الانتقالية المحافظة على وحدة الدولة، ومصالحها الداخلية والخارجية وأنظمتها.

المادة الحادية عشرة

في حالة توفر القناعة لدى الهيئة بعدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته لأسباب صحية تقوم الهيئة بتكليف اللجنة الطبية المنصوص عليها في هذا النظام بإعداد تقرير طبي عن الحالة الصحية للملك، فإذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته تعد حالة مؤقتة، فتقوم الهيئة بإعداد محضر إثبات لذلك وعندئذ تنتقل مباشرة سلطات الملك بصفة مؤقتة إلى ولي العهد لحين شفاء الملك. وعند وصول إخطار كتابي من الملك إلى رئيس الهيئة بأنه قد تجاوز الأسباب الصحية التي لم تمكنه من ممارسة سلطاته، أو عند توفر القناعة لدى الهيئة بذلك، فعليها تكليف اللجنة الطبية المشار إليها بإعداد تقرير طبي عن حالة الملك الصحية، على أن يكون ذلك في مدة لا تتجاوز أربعا وعشرين ساعة. وإذا أثبت التقرير الطبي قدرة الملك على ممارسة سلطاته، فعلى الهيئة إعداد محضر إثبات لذلك وعندئذ يستأنف الملك ممارسة سلطاته.

أما إذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته تعد حالة دائمة، فعلى الهيئة إعداد محضر إثبات لذلك، وعندئذ تدعو الهيئة لمبايعة ولي العهد ملكا على البلاد على أن تتم هذه الإجراءات وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم في مدة لا تتجاوز أربعا وعشرين ساعة.

المادة الثانية عشرة

في حالة توفر القناعة لدى الهيئة بعدم قدرة الملك وولي عهده على ممارسة سلطاتهما لأسباب صحية، فعلى الهيئة تكليف اللجنة الطبية المنصوص عليها في هذا النظام بإعداد تقرير طبي عن حالتهما الصحية، فإذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرتهما على ممارسة سلطاتهما تعد حالة مؤقتة، فتقوم الهيئة بإعداد محضر إثبات لذلك، وعندئذ يتولى (المجلس المؤقت للحكم) إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح الشعب لحين شفاء أي منهما. وعند وصول إخطار كتابي من الملك أو ولي العهد إلى الهيئة بأنه قد تجاوز الأسباب الصحية التي لم تمكنه من ممارسة سلطاته، أو عند توفر القناعة لدى الهيئة بذلك فعليها تكليف اللجنة الطبية المشار إليها بإعداد تقرير طبي عن حالته على أن يكون ذلك في مدة لا تتجاوز أربعا وعشرين ساعة، فإذا أثبت التقرير الطبي قدرة أي منهما على ممارسة سلطاته فعلى الهيئة إعداد محضر إثبات لذلك، وعندئذ يستأنف ممارسة سلطاته.

أما إذا أثبت التقرير الطبي أن عدم قدرتهما على ممارسة سلطاتهما تعد حالة دائمة، فعلى هيئة البيعة إعداد محضر إثبات لذلك، وعندئذ يتولى المجلس المؤقت للحكم إدارة شؤون الدولة، على أن تقوم الهيئة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، والدعوة إلى مبايعته ملكا على البلاد وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم.

المادة الثالثة عشرة

في حالة وفاة الملك وولي العهد في وقت واحد تقوم الهيئة خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء والدعوة إلى مبايعته ملكا على البلاد وفقا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم.

ويتولى المجلس المؤقت للحكم إدارة شؤون الدولة لحين مبايعة الملك.

المادة الرابعة عشرة

تكون لجنة طبية من كل من:

1 المسؤول الطبي عن العيادات الملكية.

2 المدير الطبي لمستشفى الملك فيصل التخصصي.

3 ثلاثة من عمداء كليات الطب في المملكة تختارهم هيئة البيعة.

وتتولى اللجنة إصدار التقارير الطبية المشار إليها في هذا النظام، ولها أن تستعين بمن تراه من الأطباء.

المادة الخامسة عشرة

يرأس الهيئة أكبر الأعضاء سناً من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وينوب عنه الذي يليه في السن من إخوته، وفي حالة عدم وجود أي منهم يرأس الاجتماع أكبر الأعضاء سناً من أبناء الأبناء في الهيئة.

المادة السادسة عشرة

اجتماعات الهيئة سرية، وتعقد اجتماعاتها بناء على موافقة الملك، ولا يحضرها إلا أعضاؤها وأمينها العام إضافة إلى من يتولى ضبط مداولات اجتماعاتها بعد موافقة الملك.

وللهيئة بعد موافقة الملك دعوة من تراه لتقديم إيضاحات أو معلومات وليس له الحق في التصويت.

المادة السابعة عشرة

يتولى رئيس الهيئة الدعوة لاجتماعاتها في الحالات المنصوص عليها في المواد السادسة، والحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة من هذا النظام.

المادة الثامنة عشرة

يجب على أعضاء الهيئة الالتزام بحضور اجتماعات الهيئة وعلى العضو الذي يطرأ ما يستوجب غيابه عن أحد اجتماعات الهيئة أن يخطر رئيس الهيئة كتابة بذلك، ولا يجوز لأي عضو الانصراف نهائيا من اجتماع الهيئة قبل أنتهائه إلا بإذن من رئيس الاجتماع.

المادة التاسعة عشرة

يفتتح رئيس الجلسة الاجتماعات ويعلن انتهاءها، ويدير المناقشات، ويأذن بالكلام، ويحدد موضوع البحث، وينهي المناقشة، ويطرح الموضوعات للتصويت.

ويجوز بموافقة عشرة من أعضاء الهيئة مناقشة أي موضوع غير مدرج في جدول الأعمال.

المادة العشرون

لا يكون اجتماع الهيئة نظاميا إلا بحضور ثلثي أعضائها على الأقل بمن فيهم رئيس الهيئة أو من ينوب عنه.

ومع مراعاة ما ورد في المادة السابعة تصدر قراراتها بموافقة أغلبية أعضائها الحاضرين. وفي حالة التساوي يرجح الجانب الذي صوت معه رئيس الاجتماع. ويجوز في الحالات الطارئة التي لا يتوافر فيها النصاب النظامي عقد اجتماعات الهيئة بحضور نصف أعضائها، وتصدر قراراتها بموافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين.

المادة الحادية والعشرون

يحرر لكل اجتماع محضر يدون فيه مكان الاجتماع، وتاريخه، ووقت افتتاحه، واسم رئيسه، وأسماء الأعضاء الحاضرين، وأسماء الأعضاء الغائبين، وسبب الغياب إن وجد، واسم الأمين العام، وملخص لما دار من مناقشات، وعدد أصوات الموافقين، وغير الموافقين ونتيجة التصويت، ونصوص القرارات، وما يتصل بتأجيل الاجتماع، أو وقفه، ووقت انتهائه، وأي أمر أخرى يرى رئيس الاجتماع تدوينها فيه. ويوقع على المحضر رئيس الاجتماع، والأعضاء الحاضرون، والأمين العام. 

المادة الثانية والعشرون

يتم التصويت على قرارات هيئة البيعة عن طريق الاقتراع السري وفق نموذج يعد لهذا الغرض.

المادة الثالثة والعشرون

يطلع عضو الهيئة على جدول الأعمال ومرفقاته في مقر انعقاد الهيئة ولا يجوز له أن يصطحب وثائق الهيئة خارج مقر انعقادها.

المادة الرابعة والعشرون

يعين الملك أمينا عاما للهيئة يتولى استكمال إجراءات توجيه الدعوة لاجتماعاتها، والإشراف على إعداد محاضرها، وقراراتها، وإعلان بيانات اجتماعاتها وفق ما يقرره رئيس الهيئة.

وللأمين العام للهيئة بعد موافقة الملك الاستعانة بمن يراه.

ويعين الملك نائبا للأمين العام يتولى مهامه عند غيابه.

المادة الخامسة والعشرون

يتم تعديل أحكام هذا النظام بأمر ملكي بعد موافقة هيئة البيعة.

[عدل] أعضاء الهيئة

أعضاء هيئة البيعة السعودية ترتيب أبناء الملك عبد العزيز العضو

الأمير تركي الأول بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي الأول آل سعود

الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود

الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود

الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير بدر بن محمد عبد العزيز آل سعود

الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير ناصر بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز آل سعود

الأمير سعد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير محمد بن سعد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير منصور بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير طلال بن منصور بن عبد العزيز آل سعود

الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير بندر بن عبد العزيز آل سعو 

الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مساعد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير عبد الله بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود

الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود

الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود.. رئيس الهيئة

الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود

الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز آل سعود

الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود

الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مشاري بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير محمد بن مشاري بن عبد العزيز آل سعود

الأمير بدر بن عبد العزيز آل سعود

الأمير تركي الثاني بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير تركي الثاني بن عبد العزيز آل سعود

الأمير نواف بن عبد العزيز آل سعود

الأمير عبد العزيز بن نواف بن عبد العزيز آل سعود

الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود

الأمير فواز بن عبد العزيز آل سعود /  ليس لديه أبناء، لم يرث أحد مقعده

الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود

الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير ثامر بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير فيصل بن ثامر بن عبد العزيز آل سعود

الأمير ممدوح بن عبد العزيز آل سعود

الأمير عبد الإله بن عبد العزيز آل سعود

الأمير سطام بن عبد العزيز آل سعود

الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير هذلول بن عبد العزيز آل سعود

الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود 

الأمير فيصل بن عبد المجيد بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مشهور بن عبد العزيز آل سعود

الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود

الأمير حمود بن عبد العزيز آل سعود /  ليس لديه أبناء ذكور، لم يرث أحد مقعده


هيئة البيعة، هي هيئة سعودية تعنى باختيار الملك وولي العهد السعودي. تتكون من أبناء وأحفاد الملك الملك عبد العزيز آل سعود. أسست الهيئة في 28 رمضان 1427 هـ الموافق 20 أكتوبر 2006[1]. يرأس الهيئة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود، وأمينها العام خالد بن عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري.

نشأتها

أسست الهيئة بأمر من الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود[1]، ونص أمر تأسيسها بأنها تتكون من أبناء الملك عبد العزيز[1] أو أحفاده في بعض الحالات التي يحددها النظام، بالإضافه إلى إثنين يعينهما الملك، أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد[1]، وتقوم عند وفاة الملك بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكًا على البلاد[1]. وحسب ما نص عليه نظام الهيئة يقوم الملك بعد مبايعته وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة باختيار من يراه مناسبًا لولاية العهد[1] على أن يعرض بعد ذلك اختيار الملك على الهيئة لترشح واحدًا منهم[1]، وفي حالة عدم ترشيحها لأي منهم فعلى الهيئة ترشيح من تراه مناسبًا لولاية للعهد[1]، وفي حالة عدم موافقة الملك على ترشيح الهيئة، تقوم الهيئة بعملية تصويت بين من رشحته والآخر يختاره الملك، وتتم بعد ذلك تسمية الحاصل على أكثر الأصوات وليًا للعهد[1]. وحدد نظام الهيئة بأن يتم اختيار ولي العهد في مدة لا تزيد على ثلاثين يومًا من تاريخ مبايعة الملك.

وفي الواقع، أنا لدي تعليق قانونيّ النزعة في مسألة هيأة البيعة منذ صدورها كنظام قانوني في عام 1428هـ(2007م). ولم أستطع الكتابة في الموضوع على هيأة مقالة متخصصة بغية التوّسع والإحاطة بكل الجوانب الفنية والإجرائية، وذلك لعوز شديد في فهم التحليل (أو التكييف) القانوني وإشكالياته التطبيقية في العالم العربي المعاصر. وكيفية كتابة البحوث القانونية. لكن على أية حال، أنا مؤمنة باتحاد العلوم واتصالها الوثيق وأن بعضها يفسر بعضا. وسأكتفي بتسجيل أهم ملاحظاتي من خلال التعريفات الأساسية في العلوم الاجتماعية التي أحملها وهنا على وهن في سبيل مجتمع الدراسة العلمي على النحو الآتي:

أنا أعتقد أن قانون هيأة البيعة غير شرعي - أو يفتقر للشرعية - من ناحيتين "الاصطلاحية"، و"السِّياسيّة الوضعية". لماذا وكيف وصلت إلى هذا الاعتقاد؟

بالطبع أنا عندي قراءتي الخاصة بالوضع القائم لإشكالية المجتمع؛ لدي أيضاً أولوياتي في التصوّر للمشكل الأخلاقي في الأمة. إلّا أن هذه القراءة لا يمكن الإفصاح عنها لأنها ترتبط بتفسيرات غير متفق بشأنها في مجتمع الدراسة والبحث العلمي بصورة محققة ( أي تم التأكد منها واختبارها كفايتها التفسيرية والتنبؤية). هي تمثل اتجاهات لطلبة العلم في تقييم المسائل العامة وفق منظور فلسفي وأدبي معين. ونتيجة لذلك، سأقصر اهتمامي هنا فقط على هيأة البيعة كموضوع مستقل عن الموضوع السياسي والأخلاقي العام. كما لو أنه موضوع في قطاع "ما" كأي قطاع من قطاعات الدولة. أي أنني سأتعامل مع الموضوع بأسلوب مجرّد وإقصائي لا يقترب من الإطار العام التحليلي للمسألة السياسية الوطنية والإشكاليات الكبرى المتعلقة بها. لأن الهدف هنا هو الكشف عن الملاحظات ذات الصلة بادّعاءنا (قانون هيأة البيعة غير شرعي). لا أريد أن أكمل أكثر لأنني سأفسد المقدمة حتما.

حسناً. في رأيي، يعتبر مفهوم البيعة من المفاهيم الأساسية في حقل الفكر العربي الإسلامي والمرجعية الإسلامية عموما، ولكن إجراءات البيعة وظروفها وشروطها التاريخية في العهد الوسيط تختلف اختلافا جذريا عن العصر الحديث. شأنها في ذلك، شأن المفهومات الأخرى مثل" دار الإسلام"، "دار الحرب"،...الخ. بالتأكيد أن لمثل هذه المفاهيم قيمة معرفية عظمى في التراث الإسلامي العريق والأعظمي، ينبغي العثور عليها، وتطوير استعمالاتها. ولكن مسألة اعتماد مسار دلالي معين حول سياقها التاريخي، أو إبطال غيرها من المسارات، أو عدم تحقيق تقدّم مفاهيمي كاف حول دلالة البيعة وشروطها التاريخية في العصر الحديث تبقى إشكاليات ملّحة وحاضرة عند فقهاء القانون القائمين بالقسط.

بالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن فهم قبول "الجمع بين تناقض مفهومين" مفهوم "البيعة في الإسلام" من ناحية، وطبيعة نظام الحكم "الملكي" من ناحية أخرى؟ تحت أي مدرسة قانونية تمّ فك الارتباط بين المفهومين، وإخضاع أحدهما للآخر؟ فكلا المفهومين يقوّض دعائم الآخر أو يبطل مفعوله القانوني في التحليل النهائي. وهذه هي الناحية الاصطلاحية أي الإخفاق في التتبع الزمني واللغوي، وتأريخ مفهوم البيعة ومحدداته تاريخيا وسياسيا في العصر الإسلامي الوسيط والحديث وما بعد الحديث والمقارن. ومن ثم تأثير هذا الإخفاق/ أو عدم التحقق في تعطيل وظائف المفهوم الأساسي المحرك للعملية السياسية للجماعة البشرية منذ فجر الإسلام.
ــــــــــــــــ 

وهي بالمناسبة انجاز فريد للاتفاق الاجتماعي المحلّي؛ إذا تم تشريع - أو بالأحرى تجذير- "الملكية" أو شكل نظام الحكم الحديث، من خلال روايتين: الرواية الإسلامية من خلال تحوير مفهوم البيعة غير واضح المعالم، والرواية الليبرالية (المنقولة) الوضعية والتي تمّ فيها مصادرة/ تحوير قيّم الحرية السياسية والاقتصادية الغربيّة لتستجيب لوظيفة الحكم السياسي المحلّي واعتباراته الزمنية. انظر على سبيل المثال كيف يتحدث الصحفي الأخ أحمد عدنان عن إيمانه السياسي الوطني في معرض مقالته عن "الثورة المضادة في السعودية" إذا يقول:

"... خصوصاً أنّني أكنّ للنظام الأساسي للحكم (دستور البلاد) كلّ ولاء وتقدير".



أي أنه تمّ استبدال أو استبعاد هذه الإشكاليات الاصطلاحية أو الفقهية للنظم القانونية في بلادنا لتكون العلاقة بمقتضى "الدستور" هكذا بين الملتزمين فيه وغير الملتزمين. رغم أن مفهوم الالتزام السياسي لا يسقط عن أولئك الذين يسعون إلى تطوير الجماعة السياسية ووظائفها، والتي من باب أولى أن يحمل بعض هؤلاء سمات عدم التوافق مع الوضع القائم لعلل معينة فكرية أو دينية أو اجتماعية أو أخرى.
ـــــــــــــــــ

أما الناحية السياسية الوضعية، فهي المتعلقة بالنص القانوني الذي تم تعديله، فحسب فهمي المتواضع، وقد تكون هذه النقطة غير مؤكدة، إذا كانت المادة القانونية التي اعتمدتها في تأويل قراءتي ناقصة آنذاك. تنص على أن الحُكم في أبناء الملك عبدالعزيز فقط، ولم تشمل الذرية أو السلالة. فما هو المبرر القانوني والشرعي في إقحام الذرية أو السلالة في النص القانوني المعدّل؟!

في الوقت الحالي، تشير معلومات موقع وزارة الخارجية السعودية الآتي:

" (...) و كان اللقاء الذي تم في عام 1157هـ / 1744م إيذانا بقيام الدولة السعودية الأولى حيث تبايع أمير الدرعية محمد بن سعود و الشيخ محمد بن عبد الوهاب على العمل لتصحيح العقيدة ، و تطبيق الشريعة الإسلامية و تحقيق التوحيد ، و أن يكون الأمير محمد بن سعود إماما للمسلمين وذريته من بعده ، و هو ما عرف باتفاق الدرعية".


هل اتفاق الدرعية قد شمل حقاً "الذرية"؟ وبأي معنى سياسي إسلامي؟ مما حملني على القول أنها ربما يكون تأويلي غير مؤكداً بخصوص هذه المسألة.

والفكرة الأساسية هنا، أن شرعية هيأة البيعة التي هي في الأساس تطوير واستكمال لآلية الحكم لتشمل الذرية والسلالة، تحتاج إلى استفتاء شعبي من قبل المجتمع أو الشعب من وجهة نظر قانونية لتدعيم موقع السلطة وتشريع تمثيلها للمجتمع. وبدون هذا الاستفتاء، لا يعتبر تعديل المادة شرعياً، إذ يقتصر النص على الصف الأول فقط، ويضمّن الصف الثاني والثالث من الأسرة الحاكمة من ناحية أن تفسير هذا القانون وأحكامه تعود للمشرّع أو الحاكم. ولا يعتبر الاستفتاء الشعبي التفاف على القانون أو انتهاك له من وجهة نظري. بل أن الاستفتاء الشعبي هو الضمانة الوحيدة التي تجعل من تمرير قانون هيأة البيعة شرعياً، وتأسيس عقد اجتماعي ثانٍ للمجتمع يؤكد فيه أطراف العقد الاجتماعي بنسبة تمثيلية معينة على الاتفاق بشأن التمثيل السياسي للمجتمع بخلاف شروط وظروف تمثيل العقد الاجتماعي الأول أو اتفاق الدرعية. أعتقد أن غياب هذه الملاحظة الهامة، راجع بالضرورة إلى العلة الاصطلاحية والفقهية المتعلّقة بمحدودية المفهوم ( البيعة) والاستناد إليه من وجهة نظر خاصة للنخبة المسيطرة وتفضيلاتها المعيارية.

أمثلة أخرى على الثغرات القانونية في محتويات نظام هيأة البيعة حيث احتوت بعض المواد أو البنود على نصوص غير واضحة. مثل ما ورد في المادة الأولى: " (...) اثنان يعينهما الملك أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد على أن يكونا مشهودا لهما بالصلاح والكفاية (...)". كيف يمكن فهم دلالة " مشهودا لهما بالصلاح والكفاية" في إطار العلاقات السياسية بين الأسرة المالكة وأجندتها؟ هي عبارة غير دقيقة وتحتاج إلى تحديد أو إطار معيّن في عدد من المبادئ الإرشادية العليا.

مثال آخر، المادة 25:"يتم تعديل أحكام هذا النظام بأمر ملكي بعد موافقة هيئة البيعة". نظراً للطبيعة الخاصة لدور كلا منها وحقل الوظائف المتاشبك بين النظامين. ماهية أشكال العلاقات القانونية المتوّقعة التي يمكن أن تنشأ بين النظامين (الأساسي للحكم)، و(هيأة البيعة)، وكيف ستسهم هذه الأشكال المتولدة في تدعيم ( أو تثبيط) شرعية النظام السياسي في الحُكم والثقة في مؤسساتنا الوطنية؟
.......................................

بعض ردود الاخوة المواطنين ....

حسناً أخي الكريم، إذا كان كلامي على حد زعمك غير مفهوم بتاتاً، فمن أي مصدر عقلي أو غيبي يخصك علاقتك مع الظواهر أو الأشياء من حولك؛ بحيث أن ادّعاءاتك بالقوّة أو العدل أو الظلم هي محقّة من غير تحقيق استناداً لرأيك الرسولي المنحدر من سبعة أرقع!! اكتشفت أو عثرت على التناقض المزعوم في مشاركتي؟ وأين يقع يا ترى في شطر كلامي لأعيد تقويمه ومراجعته وتفنيده على الملأ؟ أم أن حديثك معتل ابتداء بأثر "التعطيب"، فتعرج مساره، واختلطت طرقاته، فلا تدري أي اتجاه تذهب وتسلك والحالة هذه؟ زعمت أن رأيي مجحف في شأن المادة الأولى، ولم تأت بما يثبت ذلك الحكم؛ فاستحال الرأي عندك حكما صريحاً. وانقلب عاليها سافلها وكنت من الخاسرين المتوهمين بالفوز. حيث انتهت "أحجية الإجحاف" بإسقاطها بالتفضيل والمزايدة عبر رأيك بلا دليل.

هل أستطيع معرفة " نوعية نظرك" المدهشة بحيث تسطيع أن تحكم على شيء "ما" بأنه "قوي جداً" و"عادل" هكذا؟! ناهيك أنه لم يكن نقاشي ينزع في اتجاه تقييم المواد القانونية من حيث معايير العدالة والكفاءة فهذا نقاش متقدّم، وخارج عن سياق فكرتي الأصليّة والتي تدّعي أن نص نظام هيأة البيعة "يفتقد للشرعيّة" لافتقاره لأساس فقهي قانوني سليم، ويقوم هذا الأساس على معالجة مسألتين أو مقدمتين:

مقدمة 1:مفهوم أو مصطلح البيعة عبر التاريخ الإسلامي وإشكالاته في تمثيل المجتمع وإرادة المجموع.


مقدمة 2: طبيعة نظام الحكم في الدولة والتي تتخذ من الزخرف الغربي شكل الحكم الخارجي وإطاره الوظيفي. فلا وجود للحقّ الإلهي المقدّس للملوك عند التجربة التاريخية العربية الإسلامية خلافاً للتجربة الأوروبية.

3/ الرابط أو التكييف القانوني الذي تم بموجبه تعديل فقرة ج من المادة 5 للنظام الأساسي للحكم.

4/ النتيجة النهائية المتمثلة في نظام هيأة البيعة ( الشرعي).

يقوم جوهر الادّعاء الذي قدّمته - وهو قابل للإثبات أو الدحض عند فقهاء القانون وشراحه - أن التعديل غير قانوني أو غير شرعي يتفق ومصدر التشريع. وقمت بكتابة ملاحظاتي الأوّلية لمجتمع الدراسة العلمي من دارسين وباحثين مبتدئين ومتقدمين ( الرجاء مراجعة المشاركة رقم 10 بعنوان الاستفتاء الشعبي أوّلاً).

وفي الوقت الذي لا يستطيع بعض الحقوقيين الدفاع عن أحكامهم الجزافية بشأن قوانين بلدهم، قدّمت معالجتي أن الاستفتاء الشعبي قد يكون بديلاً أو مخرجا من الإشكالية القائمة في كيفية الجمع بين الملكية والبيعة بواسطة العثور على اتفاق اجتماعي ثان يعزز التكييف القانوني " لما تقتضيه المصلحة العامة" من أسفل لا من أعلى.

حسناً. لم يكتف صاحبنا عند تهمة الإجحاف. بل زاد عليها تهم أخرى تدل على أن آثار التعطيب ليست وليدة اللحظة التي ردّ فيها على مشاركتي بل تراكمات أحسب نصيبي منها هو الأوفر ما لم يفنّد. يقول رجل القانون حسب ما تشير معلوماته الأكاديمية الموضحة المستوى السابع:

ورأيك في المادة الاولى مجحف لنظام لانها اقوى مادة في نظري ومافيها اي ضعف

وبعدين إذا ماتعرف الكفاية والصلاح فهذي مشكلة وهالمادة عادلة بطريقة كبيرة جدا لأحفاد المؤسس.

ويقول أيضاً:

بعدين كلامك في المادة 25 مافيه اي شي يدل على ضعف في النظام لانك لم تطلعي على النظام وتربطي المواد ببعضها.

ثم قام مشكوراً بتصحيح الترابط المفتقر إليه وربّما أيضاً مشكلتي الخاصة المتعلقة بالكفاية والصلاح بإيعاز من المادة الثانية والثالثة وذلك بما يتفق ووجهة نظره القانونية المتحيّزة. لكن يجب الاعتراف بالإضافة في شرحه للمادة الثانية حيث قال: " والنظام الاساسي للحكم هو الشريعة الاسلامية ومباشرة المادة ".

ويظهر لي أن رجل القانون مهتم كثيرا بمشاكل الجداول أي بالمشاكل التقنية، ولا يولي اهتماماً كافيا للمشاكل غير التقنية ومنها البشرية والاجتماعية والسِّياسيّة. فهو على سبيل المثال يقول في شأن المادة 1 أنها عادلة لأحفاد المؤسس، أنه مهتم كثيراً بالأسرة الملكية وعدم تعكير صفوها بالمناوشات والمؤامرات، أما موقع الشعب والأمة فلا محل له من الإعراب عند رجال القانون بل هو آخر موطأ ممكن أن تحط به نعالهم وتنصب خيامهم!! اهتمام صاحبنا بالتقنية مبالغ فيه على حساب مشاكل تأسيس البناء وتجديد الفكر والعقد بما يتفق وحال الأمة، ولعل اهتمامه بالتقنية هو الذي جعله يدرج تذكيره الهام لنا بلا مغزى واضح... ليس هدفي هو السجال. والخلاصة في مشاركتي رقم 10 سأجملها بالنقاط التالية:

- لقد ارتكبت خطأ فاحشا بالتنازل عن التزامي بشأن المسألة السياسية الوطنية عموماً، واكتفيت بالمعالجة الفنية للتفاعل مع الحدث، ولفت الأنظار إلى وجود ّإشكالية قانونية تعتور نظام هيأة البيعة، في الوقت الذي يعاني فيه النظام السياسي العربي من أزمات عدة في مختلف المسارات. فالدولة العربية ليست واضحة المعالم بعد، فهي متذبذبة بين الزخرف الغربي (العلماني = الدنيوي)، والقالب الإسلامي (الشكلي = الاصطناعي)، وهي تعيش طيلة سنوات عمرها بتراكم الفساد والجهل وتضليل الناس بمتوالية هندسية - والعياذ بالله - وقدرتها الفذة على تنظيم وإدارة مثل هذا التراكم التي استطاعت العولمة تفكيكه تقنياً وبأقل الأزمنة الممكنة بحجم تأثير قنبلة نووية بحيث أن ما قبلها ليس كما بعدها.

- المسألة السِّياسيّة العربيّة وطنيَّا تحتاج إلى تكييف قانوني واجتهاد العلماء والمفكرين مما لا شك فيه ولو نقيرا للإجابة على الأسئلة العامة المتعلقة بالبقاء والفناء للجماعة البشرية العربيّة. ولكن لهذا التكييف أسس وقواعد وإجراءات واختيارات وشروط يجب أن تتميّز بالوضوح والاتفاق وحلّ كل المسائل الإشكاليّة المتعلّقة بالاتفاقات الاجتماعية لتتضح صورة الماضي والحاضر والمستقبل.

- إن التنازل عن هذا الالتزام جعل البعض يعتقد أن حديثي هنا هو حديث الفتنة، والوقيعة، لا حديث الحرص على الوطن، وتبيان الثغور، ومناطق الوعورة، أو حديث الالتزام السِّياسيّ المُبين. إن مشاركة زملائي مثالا عمليا. حيث انطلق كل منهما من مقدمة واحدة هي أن هذا النظام هو خارج دائرة النقد والمسائلة الفكرية والأخلاقية، وأن استهداف نقد النظام يعني استهدافا للنَّظام السِّياسيّ نفسه، فالأوّل يسأل عن الغاية النهائية من وراء ذلك العمل، وماذا يضمر صاحبه. والأخير تكلّف على نفسه فآثر الدفاع عن وجهة نظره القانونية بإلغاء وجهة النظر الأخرى هكذا بكلّ بساطة، بئس الدفاع، ولكن لا يشعرون!!

- بالإضافة إلى المقدمة الأولى، توجد مقدمة أخرى مشتركة لمجتمع الدراسة حيث ينعدم الخطاب العلمي عند زملائي انعداما تأسيسيا من مقتضيات شروط الانتساب إلى معسكرهم غير العلمي. فالادّعاء الذي طرحته تم تجاهل مناقشته وكأنه لم يكن. حسنا. كيف أتعامل مع حالة طالب العلم الذي يقتبس ما يريد أن يقرأ هو من كلامي؟ يجب أن أفهم أنه عندما يفعل ذلك: (أ) إما أنه اختزل مشاركتي بما يتوافق وقدرته على الاستيعاب بمعنى ألا يشرح هذا الجزء المقتبس بطريقة تدل على أنه لم يقرأ شيئا من تلكم الأجزاء التي وجدها غير صالحة للمطالعة والتفكير؛ فيصبح اختزاله إسقاطا وانكسارا على المعنى المراد بواسطة مراده هو. وبالتالي تنعدم أرضية المناقشة العلمية المحايدة لتصير مصادرة وإقصاء انطلاقا من دلالة ركنية متطرفة. أو (ب) أفترض إنما أراد مناقشة جزئية معينة محددة، وحتى في ظل هذا الافتراض أنا أتصوّر على الأقل التعمّق في هذه الجزئية بشكل أكثر تمهيدا للمعالجة أو التحليل الموضوعي للفكرة، كأحد المتطلبات في بلورة نقاش علمي رصين.

- أما صاحبنا فلا هذه أو تلك. فبعد "التعثر" الذي تعرّض له على حد قوله الذي رافقه في قراءة أو استيعاب " غير شرعي"، ( شعرت وأنا أكتب هذا الردّ للزملاء في قسم الحقوق، أنهم متخصصون في الأحياء الدقيقة!! وأنا أحدث الزملاء بما لا يفقهون قولا!!)، لم يتنّبه إلى كلامي بالقول:

أمثلة أخرى على الثغرات القانونية....

يا ترى! ما هو تعريف الثغرة القانونية؟ نستعمل مفهومه الخاص، تدل الثغرة على إمكانية النفاذ لتعطيب قانونية النصّ. وقد شرحت هذه النقطة بشكل واضح في المشاركة وكنت أكثر دقة حيث كتبت:

كيف يمكن فهم دلالة " مشهودا لهما بالصلاح والكفاية" في إطار العلاقات السياسية بين الأسرة المالكة وأجندتها؟ هي عبارة غير دقيقة وتحتاج إلى تحديد أو إطار معيّن في عدد من المبادئ الإرشادية العليا

بربّ موسى وهارون ما علاقة المؤسس بهذه المادة؟ وهل أنا ناقشت الصلاح والكفاية من منطلق نظري بحت أو من حيث ارتباطهما بفلسفة النظام الملكي؟ أن عدم توضيح مبادئ إرشادية للاختيار سيؤدي ذلك إلى وجود قدر من المرونة يسمح بالتلاعب ووصول أشخاص غير مرغوبين في السلطة من منطلق أيضا الصلاحية والكفاية ذاته. من الواضح أن زميلي لم يستطع استيعاب الموضوع كاملا. أن تحديد مبادئ إرشادية سيضع قيودا على الاختيار من حيث معايير الكفاية والصلاحية التي تتعلق بأفضلية من يحكم وكيف يحكم. أما بشأن قدراتك الخاصة على تقييم المادة أنها قوية جدا وعادلة بما يكفي لدعاء المؤسس في البرزخ لأحفاده بالسؤدد!! أرجو أن تحتفظ بها في صلواتك. أما في المعسكر العلمي نحن أحياناً نولي اهتماما بتفكير الشيطان كيف ينجز أعماله؟ ويعثر أعمالنا؟ أرأيت أن معسكرنا متقدّم ويخوض حرب ضروس؟!

- المادة 25، مازال الحديث عن الثغرة مستمراً ولم ينقطع، أرض ليست صلبة يمكن أن ينفذ من خلالها ما يهدم قدرات النص القانونية ويقوضها، أيضا توضيحي للثغرة في المادة25 كان كافيا وواضحا ولن أكرره، وأذكر أن له مصطلح قانوني يوّفر المشقة، ولكنّي نسيته.( أذكّر القراء الكرام أن علم الاقتصاد هو تخصصي الدراسي) والفكرة العامة هو أن نظام هيأة البيعة يعيّن أعلى سلطة في البلاد، فما هي طبيعة العلاقة التي تحكمه مع مواد النظام الأساسي للحكم والحالة هذه من حيث الصلاحيات القانونية؟

- لماذا أحتاج زميلي إلى المادة 2و3 في توضيح وجهة نظره؟ هل أجعله سؤال تمرين لكم، ينتظركم تمارين كثيرة في المستقبل بحول الله، لكني سأوضح لكم لماذا أحتاج زميلي إلى كتابة نص المادتين 2و3؟ لقد أعتقد زميلي أن كلمة " غير شرعي" بمعنى أنها مغايرة عن الشريعة أو مبتعدة عن التشريع الإسلامي بسبب كذا وكذا، لذلك حرص مشكورا بالتأكيد على كون النظام شرعيا أنه مستمد من الشريعة الإسلامية، وقد وقع في هذا الالتباس لأنه تعطب كما وصف حقاً. أخبرتني أحد صديقاتي أن دارسة سألت أستاذتها في قسم التاريخ عن ماذا إذا كان السفاح (الخليفة العباسي) مسلما؟! مرة أخرى، أنا أقصد بعدم الشرعية (بالمفهوم السّياسيّ - القانوني - المعياري)، هل كون هذا القانون يحقق التفويض المناسب من قبل المصادر الأصلية للتشريع القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أو المرجعية الإسلامية في تجربتها التاريخية؟ توجد أدبيات متعددة تجيب على أسئلة الشرعية السياسية المفقودة في العصر الحديث، والتي تساهم الثورات العربية بإعادة صياغة إجابة قانونية شرعية( طبعاً أنا أفترض أن تؤول الثورات العربية إلى تحقيق تلكم الإجابة المثالية عن الأزمة في (الفكر - المادة) السِّياسيّة العربية الحديثة بواسطة عقد اجتماعي تمثيلي متفق عليه، لكن الواقع يقول أنها تفتقر للشرعية في تحقيق ذلك أيضاً بل واستغلالها كأجندة من قبل العوالم الخارجية ضد بلدها، بل وتطالب بانتهاكات سافرة تعكس ضعف أسانيدها في التغيير السلمي والمدني). إذا ما أقصده من كلمة غير شرعي ليس غيرإسلامي، بل غير متحقق من الناحية القانونية الإسلامية أي التكييف القانوني غير مكتمل أو معتل أو ناقص ولو اتخذ زخرفا إسلامياً كإطار عام. وأعتذر إذا لم يكن شرحي واضحا حتى الآن.

- كنت أعتقد أن المنتدى المتخصص بالكلية يكون أكثر عمقا من المنتديات العامة، فنحفل ببعض المصطلحات العلمية المتخصصة لدى الزملاء والزميلات وهيمنة الأعراف العلمية في المشاركات والموضوعات، أقلّها الفصل بين ما هو شخصي واعتباري ناهيكم عن تقدير حُرْمَة الاختلاف في الرأي!!. فنظام هيأة البيعة هو جزء من الدستور، وهو ليس شخصية العائلة الحاكمة وإنما يفترض أنه منظّم سياسي أخلاقي وقانوني لانتقال السلطة بين أفرادها المحددين. وبالتالي حديثي هو يتناول طبيعة هذا المنظّم السِّياسيّ داخل المؤسسة السِّياسيّة والإشكالات التي يطرحها داخل النظام السِّياسيّ والاجتماعيّ العربيّ الإسلاميّ الحديث. ( بالمناسبة أنا لم أستغرب هذه النتيجة المؤسفة التي حصلت عليها هنا، لأن هذا الوضع السالب هو انعكاس لما في داخل المنظمة، وما يجري فيها من مصادرة العقل العلمي، ومكافحته، وإخضاعه للذّل والقهر وتبرير الواقع المرير لمحنته "ولكنّكم تستعجلون". أنظر بأسى شديد للمشادات الكلامية بين أبناء القسم الواحد حيث لا يسود الحوار البناء والتفاهم على القضايا الأساسية بربّ موسى وهارون علام تصنعون بالجامعة؟!).

ثلاث مقالات في الثورة المضادة: .....

- المقالة الأولى -

الثورة المضادة في السعودية: ماذا بعد «11 مارس»؟ [1/3]

أحمد عدنان

صحافي سعودي

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية، ٧ حزيران ٢٠١١

يوم 11 آذار/ مارس 2011، سيسجله التاريخ الحديث يوماً مفصلياً في تاريخ المملكة العربية السعودية. لكن في أي اتجاه؟ هذا ما سوف نراه! إذ قبل ذلك بفترة، أنشئت صفحة مشبوهة ــ مجهولة المصدر ــ على موقع فايسبوك، تدعو إلى ثورة على نظام الحكم في السعودية، للأسف، تعامل النظام معها بانفعال، في مناخ الثورات العربية. من مظاهر ذلك التعامل إطلاق العلماء فتاوى لتحريم التظاهرات، وتحريم الدعوة إلى الإصلاح، وتحريم الخروج على الحاكم، مهما كانت الأسباب. يؤكد ذلك المشكلة الثقافية (الفكرية) ــ الاجتماعية التي تعانيها المؤسسة الدينية في السعودية.

تحرك مجلس الشورى، من جهته، في اتجاه انفعالي مماثل، وأعتقد أنّها المرة الأولى التي يتوجه فيها المجلس ببيان إلى الشعب، وهو اتجاه محمود، والأجدى أن يعمل أعضاء المجلس على تحويله إلى سلطة تشريعية كاملة، عبر المطالبة بحق الانتخاب وسلطات الرقابة والتشريع والمحاسبة.

جاء يوم 11 آذار/ مارس، يوم ما سمي ثورة «حنين» ولم يتظاهر أحد ضد النظام، باستثناء أفراد. في ذلك اليوم، تحوّلت بعض الميادين إلى ثكن عسكرية. وهذا تعامل انفعالي آخر، إذ إنّ أغلب العارفين بالمشهد السعودي لم يتوقع تظاهر المواطنين لإسقاط النظام.

قبل اليوم المحدد للثورة بنحو أسبوع، زار الأمير عبد العزيز بن فهد (وزير الدولة ـــــ رئيس ديوان مجلس الوزراء) الشيخ سعد الشثري (عضو هيئة كبار العلماء المقال في أكتوبر/ تشرين الاول 2009)، بناءً على دعوة الأخير. سأل أحد الحاضرين ـــــ الذين ناهزوا الأربعين عالماً وداعية، أغلبهم تقليديون ـــــ الأمير عبد العزيز عن توقعاته بخصوص ثورة حنين. أجاب الأمير: «نحن نثق في شعبنا». في تلك الليلة، أدان أحد الدعاة ـــــ وأيّده أغلب الحاضرين، إن لم يكن جميعهم ـــــ بيان «دولة الحقوق والمؤسسات» الذي رفعه الشيخ سلمان العودة، مع مجموعة من الناشطين إلى خادم الحرمين، متضمناً مطالب إصلاحية. من تلك المطالب: أن يكون مجلس الشورى منتخباً كله، فصل رئاسة الوزراء عن الملك، العمل على استقلالية القضاء وإصلاحه وتطويره، محاربة الفساد المالي والإداري بكل صرامة، الإسراع بحل مشكلات الشباب، إطلاق حرية التعبير المسؤولة، تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني، والإفراج عن مساجين الرأي وتفعيل الأنظمة العدلية. جرى تصوير البيان في عيون أصحاب القرار آنذاك على أنّه تأييد مبطن للثورة، وأنّه يحظى بتأييد القيادات الدينية من وعّاظ وعلماء دين ودعمهم. لكن الدعاة في بيت الشثري، أكدوا وقوفهم في صف النظام، ورفضهم للثورة بل وتصديهم لها، ورفضهم لبيان الشيخ سلمان العودة، وأوصلوا مطالبهم إلى الأمير. يمكن تلخيص المطالب في ما يأتي: العمل على استقلال القضاء وتطويره وإصلاحه، حماية المال العام والحرب على الفساد المالي والإداري، وإصلاح الصحافة بحيث تتحقق حماية المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء والوعاظ من نقدها. يبدو واضحاً أنّ مطالب تلك المجموعة التقليدية (منهم: عائض القرني، سعد البريك، محمد السعيدي، عبد العزيز محمد أمين قاسم، خالد الشايع، يوسف الغفيص)، تحمل بعض التقاطعات مع بيان الشيخ سلمان العودة ورفاقه، لكن تلك المجموعة لها طريقة مختلفة في إبداء الآراء، وإيصالها إلى أصحاب القرار.

عاد الملك السعودي إلى أرض الوطن بعد رحلته العلاجية في 23 شباط/ فبراير 2011. كانت الشائعات تسبق عودة الملك، ومنها الحديث عن إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى التشكيل الوزاري الجديد (بدأت ولاية الحكومة الحالية في آذار/ مارس 2011، ومدة الولاية هي أربع سنوات، وإلى اللحظة لم يُعلن التشكيل الجديد!). أعلن الملك سلسلة من القرارات: دعم رأس مال صندوق التنمية العقارية بـ40 مليار ريال، وإعفاء المتوفين من أقساط القروض؛ رفع رأس مال البنك السعودي للتسليف والادخار بـ20 مليار ريال، إضافة إلى الوديعة السابقة (10 مليارات ريال)، مع إعفاء المتوفين من أقساط القروض؛ دعم الميزانية العامة للإسكان بـ15 مليار ريال؛ ضم الطلبة الذين يدرسون على حسابهم الخاص ـــــ خار ج المملكة ـــــ إلى برنامج الابتعاث الحكومي؛ تثبيت بدل الغلاء ضمن الراتب الأساسي لموظفي الدولة؛ استحداث 1200 وظيفة في المرافق الحكومية المختلفة؛ دعم مالي للأندية الرياضية والأدبية والجمعيات المهنية المرخصة بمبلغ يراوح بين 2 مليون ريال و10 ملايين ريال. كذلك نال الضمان الاجتماعي قرارات مالية مهمة، وغيرها من إجراءات.

استقبل الشعب السعودي الملك بالحبور والراحة، وفي الوقت نفسه، رفعت النخب الفكرية في المملكة مطالب عدّة إلى الملك، تفاعلاً مع التطورات التي تشهدها المنطقة. فبالإضافة إلى بيان «دولة الحقوق والمؤسسات»، رفعت مجموعة من الشباب رسالة عرفت باسم «رسالة 23 فبراير» إلى الملك ــــ أوصلها مشكوراً الأمير طلال بن عبد العزيز ـــــ تضمنت المطالب التالية: مراجعة النظام الأساسي للحكم ونظام الشورى ونظام المناطق ونظام مجلس الوزراء على أساس مكافحة الفساد، وإصلاح القضاء، وتعزيز قيم المواطنة والحريّة والعدالة وسيادة القانون والتنوع والمساواة بين المواطنين، واحترام حقوق الفرْد، وتمكين المرأة من حقوقها كاملة، وتأسيس محكمة نظامية عليا تحمي النظام الأساسي من أي تجاوز أو انتهاك، وإعادة تأليف الحكومة ومجلس الشورى ومجالس المناطق ليكون الشباب هم الشريحة الأغلب فيها، وتطبيق توصيات الحوار الوطني الثاني ومن أهمها الفصل بين السلطات وتوسيع المشاركة الشعبية عبر الانتخاب وحماية المال العام وتحقيق التنمية المتوازنة.

كذلك وجه مثقفون سعوديون بيان «إعلان وطني للإصلاح» إلى القيادة السياسية، تضمن مطالبة النظام بالالتزام بالتحوّل الجاد إلى نظام ملكي دستوري. ولتحقيق ذلك طالبوا بالتالي: تطوير النظام الأساسي للحكم إلى دستور متكامل، اعتماد الانتخاب العام والمباشر محوراً رئيساً في الحياة السياسية، تأكيد مبدأ سيادة القانون ووحدته، إقرار مبدأ اللامركزية الإدارية، استقلال السلطة القضائية، التعجيل بإصدار نظام الجمعيات الأهلية الذي أقره مجلس الشورى، تمكين المرأة من حقوقها كاملة، إصدار قانون يحرم التمييز بين المواطنين، إلغاء القيود الحكومية التي تكبل جمعية حقوق الإنسان (الأهلية) وهيئة حقوق الإنسان (الحكومية)، العمل على معالجة مشاكل البطالة والإسكان وتحسين المعيشة، حماية المال العام وإخضاع كل الدوائر الحكومية للرقابة والمحاسبة، وإعادة النظر في أسس خطط التنمية. وطالب المثقفون بأربعة إجراءات فورية: صدور إعلان ملكي يؤكد التزام الحكومة ببرنامج الإصلاح السياسي، الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، إلغاء أوامر حظر السفر التي فرضت على عدد من أصحاب الرأي، ورفع القيود المفروضة على حرية النشر والتعبير. في 7 آذار/ مارس 2011، صدر بيان شبابي آخر موجّه إلى الملك بعنوان «مطالب الشباب من أجل مستقبل الوطن»، من أبرز مطالبه: القضاء العاجل على مشكلة البطالة، حل مشكلة الفقر، محاربة كل أشكال الفساد المالي والإداري، تجريم كلّ أشكال المحسوبية والتمييز بين المواطنين، إيقاف كل أشكال التمييز ضد المرأة، تكريس مفهوم المواطنة، إلغاء الوصاية الدينية على المجتمع، اعتبار العمل الثقافي جزءاً عضوياً في حياة المواطن، تفعيل دور الفنون في تطوير الحياة الثقافية في المجتمع، وإفساح المجال للشباب في كل مؤسسات صنع القرار. ورأى الشباب أنّ ثمة مطالب لا بد من تنفيذها فوراً وهي: تطوير النظام الأساسي للحكم ليؤسس لملكية دستورية، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء حظر السفر الذي صدر بحق بعض دعاة الإصلاح. من خلال تلك البيانات والمطالب، نستطيع أن نفهم لماذا لم يخرج السعوديون يوم 11 آذار/ مارس، خصوصاً أنّ البيانات تمثل شرائح فكرية وعمرية متنوعة وواسعة، ربما تعبّر في مجموعها عن المزاج السعودي العام. مزاج اتضح أنّ من أهم ملامحه:

* السعوديون لا يريدون الثورة على النظام، بل إصلاحه وتطويره والتغيير من داخله، وهذا الإصلاح لا بد أن يتبنى تغيير الأشخاص والسياسات.

* إنّ هاجس الإصلاح الذي يشغل بال النخبة في المملكة، أصبح يتمدد أفقياً ليعمّ طبقات واسعة من الجنسين.

* إنّ الثقافة الليبرالية أزاحت الفكر المحافظ جانباً. فبعدما كان عدد الموقعين على تلك البيانات والمطالب لا يتجاوز المئات، بدا واضحاً إقبال الآلاف على تأييد مطالب الإصلاح الليبرالية.

* إنّ التحفظات الشعبية على بعض الأفكار الإصلاحية، كالتحوّل إلى ملكية دستورية وتمكين المرأة، بدأت تتحرك في مساحة تتراوح بين التفهم والاستيعاب الواعي والقبول إلى الضرورة والمطالبة (ولا يزال مطلوباً إزالة اللبس بين الإصلاحيين وبين النظام، في ما يختص بالملكية الدستورية، لكون بعض النافذين في السلطة يعتقد أنّ المقصود تجريد الملك من كلّ صلاحياته على غرار النموذج البريطاني، وهذا غير صحيح).

* إنّ فكرة الإصلاح التقليدية التي ترسخت في الفكر الحكومي زمناً، والمتمثلة في تحسين الخدمات وإغداق الأموال على المواطنين، لم تعد تتواءم مع المناخات السائدة والحقوق المشروعة والحراك الذي يعيشه المجتمع.

* بعض مسلّمات الفكر الحكومي أصبحت عبئاً على التنمية، كالمركزية الإدارية. والحديث عن قدرة الحكومة على احتكار زمام المبادرة لم يعد منطقياً، وأصبح يقابَل بالدعوة إلى المجتمع المدني. ويعزز هذا التحليل تنامي ظاهرة العمل التطوعي في المملكة.

* إنّ الإجراءات التعسفية، كالاعتقالات السياسية ومنع السفر والقيود على حرية التعبير، فضلاً عن عدم شرعيتها، لم تعد مستساغة أو يمكن السكوت عنها، وأن تمتع وزارة الداخلية بنفوذ استثنائي لا يخضع لحساب أو عقاب أصبح مشكلة لا بد من معالجتها.

* إنّ التعامل الأمني مع القضايا السياسية، على غرار التعامل مع الأقليات والناشطين السياسيين أثبت فشله.

* اتفقت جميع البيانات على ضرورة إصلاح القضاء، وهذا يعني اضطراب ميزان العدل في أرض الواقع وخصوصاً في القضايا السياسية وقضايا المتهمين بالإرهاب. كذلك اتفقت البيانات على محاربة الفساد الذي أصبحت سطوته تنهش أجهزة الدولة، إضافة إلى حماية المال العام والتنمية المتوازنة.

* مفهوم «الرعايا» سقط إلى الأبد، وبدأت المواطنة تتقدم، وكذلك مبدأ وجود حقوق وواجبات واضحة ومتساوية في إطار سيادة القانون ـــــ لا الفتوى ـــــ واحترام حقوق الإنسان والانطلاق نحو الديموقراطية دون تمييز أو عنصرية باسم الجنس أو الطائفة أو المناطق.

* هناك ملامح لحياة سياسية حيوية وجادة وواعدة بدأت في التكوّن، خصوصاً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر تحركات الناشطين وطروحات المثقفين. لذلك، فإنّ تعبير السعوديين عن مطالبهم وأفكارهم عبر بيانات ورسائل موجهة إلى أصحاب القرار لن يطول (وقد بدأت سيدات سعوديات حملة للشروع في ممارسة المرأة لقيادة السيارة، دون انتظار موافقة أو استئذان من أحد، وازداد التعاطف الاجتماعي مع هؤلاء السيدات ومطلبهن، بعد اعتقال الناشطة منال الشريف في المنطقة الشرقية)، وعليه فإنّ النظام مطالب بتشريعات واضحة تكفل ممارسة سياسية ناضجة وسليمة، تضمن حق الناس في الدعوة إلى التغيير وتنفيذه، وتحقق التجدد والحيوية للحياة السياسية.

* الوصاية الدينية على المجتمع تآكلت إلى حد كبير، وأصبحت عبئاً على القيادة السياسية، بل إنّ التيارات الإسلاموية نفسها تتغير وتتطور. والوصاية من أي نوع ـــــ حتى لو كانت سياسية ـــــ لم تعد مقبولة هي الأخرى.

مرّت ثورة حنين في 11 آذار/ مارس من دون أن تتحقق، وأصدر الديوان الملكي في 17 آذار/ مارس بياناً يعلن أنّ الملك سيلقي خطاباً إلى المواطنين في اليوم التالي. وهنا، ارتفعت الآمال بأنّ ثمة حكومة جديدة ستعبّر عن السعودية المأمولة، وأنّ الملك سيصدر قرارات تاريخية تعزز موقعه بوصفه مؤسساً ثالثاً (بعد الملك عبد العزيز، ثم الملك فيصل) للدولة السعودية. وما عزز هذا الانطباع ـــــ إضافة إلى أجواء «الربيع العربي» ـــــ إصدار المجلس التنفيذي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في 15 آذار/ مارس (هي الجمعية الأهلية الوحيدة المرخصة في مجال حقوق الإنسان، وقد تأسست بإيحاء حكومي) بياناً تناول رؤية الجمعية للوضع الداخلي، ومطالبها لتمتين الأمن والاستقرار، وهي: الاستمرار في مشروع الملك للإصلاح السياسي بما يضمن المشاركة الشعبية، ضرورة الحرص على بث روح المواطنة، وضع استراتيجية وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، تعزيز استقلال القضاء، تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، تفعيل نظام الإجراءات الجزائية، تمكين المرأة والطفل والمسنّين من حقوقهم الشرعية والنظامية، ضمان الحق في العمل والسكن والتعليم والصحة لكل المواطنين، تأكيد أهمية الحوار، ومعالجة وضع الأشخاص الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية.

أصدر الملك قراراته في 18 آذار/ مارس. قرارات معيشية لم تقترب من الإصلاح أو من إعادة تأليف الحكومة، وهي: صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة والطلبة الجامعيين، صرف معونة شهرية (2000 ريال) للباحثين عن عمل، اعتماد 3000 ريال حداً أدنى لرواتب العاملين في كل قطاعات الدولة وتثبيت بدل غلاء المعيشة ضمن الراتب الأساسي لموظفي الدولة، اعتماد بناء نصف مليون وحدة سكنية لمواجهة أزمة الإسكان، رفع الحد الأعلى للقرض السكني في صندوق التنمية العقارية، تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتعيين الأستاذ محمد الشريف رئيساً لها، اعتماد 16 مليار ريال لوزارة الصحة لتأسيس 5 مدن طبية، رفع الحد الأعلى في برنامج تمويل المستشفيات الخاصة، إحداث 60 ألف وظيفة عسكرية في وزارة الداخلية، تعديل نظام النشر لحماية المفتي وهيئة كبار العلماء من الإساءة أو النقد، تخصيص نصف مليار ريال لترميم المساجد والجوامع في كل أنحاء المملكة، دعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بـ200 مليون ريال لاستكمال بناء فروع لها في كلّ أنحاء المملكة، تأسيس المجمع الفقهي السعودي، اعتماد 200 مليون ريال لعمل فروع لإدارة البحوث والإفتاء في كلّ مناطق المملكة، دعم جمعيات تحفيظ القرآن بـ200 مليون ريال، دعم مكاتب الدعوة والإرشاد بـ300 مليون ريال، إحداث 500 وظيفة لوزارة التجارة والصناعة لتعزيز جهودها الرقابية، بالإضافة إلى قرارات تخص المؤسسة العسكرية.

وهنا بدا لبعض المتابعين أنّ القيادة السياسية ارتكزت في مجموع قراراتها على معطيات عدّة، منها:

* أنّ مشروع الإصلاح السياسي لا يزال مؤجلاً، رغم المطالب الشعبية، في مقابل تحسين الخدمات وإغداق الأموال على المواطنين.

* تجاهل مطالب الإصلاح السياسي أكد تقدم فكر النخبة ـــــ الذي حظي بتأييد شرائح واسعة من المواطنين ـــــ على الفكر الرسمي، على عكس تصريح الأمير سعود الفيصل ـــــ غير الموفق ـــــ في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، في 2003، حين قال: «إنّ الحكومة تغلي من أجل الإصلاح، لكن الشعب هو الذي يعرقل ذلك».

* أنّ الحكومة لا تزال مصممة على احتكار زمام المبادرة. فتأسيس هيئة مكافحة الفساد عكس حرص الإرادة السياسية على ظاهرة الفساد، وهو توجّه محمود وإيجابي، إلا أنّه أكد تمسك الفكر الرسمي بفكرة بالية، وهي مراقبة الحكومة لنفسها. وما يدل على فشل هذا المبدأ أنّ تأسيس «هيئة مكافحة الفساد» يعني فشل جهاز حكومي آخر هو «ديوان المراقبة العامة»!

* الاعتراف بالمسائل المعيشية في المطالب الإصلاحية، دون غيرها، عزز ـــــ بقصد أو من دون قصد ـــــ الدور الرعائي والأبوي للدولة الذي تجاوزته المرحلة.

* بدا الإصرار على تجاهل الاستحقاق الوزاري ـــــ وهو أدنى مظاهر الإصلاح السياسي ـــــ تمسّكاً بالأشخاص. وهذا يعني أنّ شريحة الشباب لن يفتح لها المجال للمشاركة في الحكم وصنع القرار ومسيرة التنمية، وكذلك أنّ الشريحة الأقدر على نقل حراك المجتمع وتحولاته وتحدياته لا تزال مستبعدة (في المستقبل القريب على الأقل) في ظل حكومة، مبررات تغييرها أكثر من مبررات بقائها.

* بدا أنّ تحولات المجتمع السعودي لا تصل بدقّة إلى القيادة السياسية. فالحرص على دعم الأجهزة الدينية بمبالغ عالية جداً، وفرض حصانة إعلامية ـــــ ليس لها أي سابقة في كل التاريخ الإسلامي، ولا يمكن تبريرها ـــــ على المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء، يدل على إصرار الفكر الرسمي على وسم المجتمع السعودي بالمحافظة. في ذلك الوقت، تتآكل الوصاية الدينية داخل المجتمع، ولا تحظى بالقبول. وكأنّ الفكر الرسمي لا يعرف هذا التحوّل، أو لا يعترف به.

* بدا أنّ هذا الإغداق على الأجهزة الدينية منح المؤسسة الدينية والتيار الإسلاموي ـــــ لا جموع المواطنين ـــــ الدور الأبرز في إفشال ثورة حنين.

* بدا أنّ الفكر الرسمي لا يزال متشبثاً بالاعتماد على التحالف مع المؤسسة الدينية والتيار الإسلاموي، بدل الاعتماد على رضا السواد الأعظم (المتحقق) من المواطنين، وهو الركيزة الأهم لأيّ نظام سياسي، حين نتحدث عن الشرعية السياسية.

* بدا أنّ تخصيص كم كبير من الوظائف العسكرية لوزارة الداخلية يعني تعزيز التعاطي الأمني مع القضايا السياسية كجناح ثان للشرعية. كذلك فإنّ استحداث هذا الكم الهائل من الوظائف الحكومية يجافي المدارس الإدارية الحديثة التي اعتمِدت عالمياً بتقليص حجم الأجهزة الحكومية لحماية موارد الدولة المالية من الاستنزاف فيما لا طائل من ورائه.

* ظهر أنّ إصدار القرارات الأخيرة بعد فشل الثورة، بالتوازي مع دعم كبير وواضح للجهاز الأمني والأجهزة الدينية وفكرها، والتعامل الإعلامي الانفعالي مع الثورة في تصريحات العلماء، وبيان مجلس الشورى، قد توحي بسذاجة الشعب السعودي الذي يمكن أن يستجيب لدعوة متطرفة مجهولة المصدر، وهذا غير صحيح. ويوحي كذلك بضعف نظام لا يحظى بالتأييد والقبول، وهذا أيضاً غير صحيح.

كان واضحاً أنّ ثورة حنين ـــــ في ظل تحولات المجتمع التي اتضحت من خلال البيانات الإصلاحية ـــــ لن تنجح. فالحديث عن مطالب الثورة لناحية حماية المرأة من التغريب وتعزيز وصاية العلماء، ثم تأييد المنشق سعد الفقيه بخطابه السياسي الرديء المعتل بالنعرتين القبلية والسلفية، لن يتناغم مع مجتمع تكرست، أو بدأت تتكرس فيه الروح الليبرالية وقيم التنوير والوعي.

لكن ما جرى بعد ثورة حنين ثم قرارات 18 آذار/ مارس، أشار إلى ضباب ثقيل يعكّر الأفق مستهدفاً مشروع الملك الإصلاحي، مما أسبغ الريبة على الحاضر، وضرّج المستقبل بالمخاوف والتوجسات.

-المقالة الثانية -

الثورة المضادة في السعودية: مستقبل وزارة الداخلية [2/3]

أحمد عدنان
صحافي سعودي

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية، ٨ حزيران ٢٠١١

يرتكز مشروع الملك عبد الله على دعائم واضحة بدأت تتضح في آخر عهد سلفه الملك فهد. ويمكن تلخيص هذا المشروع في الآتي: تمكين المرأة، الحوار والتنوع والانفتاح، تجديد الخطاب الديني، المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي، تحقيق المواطنة، محاربة الفساد وتحسين أداء الأجهزة الحكومية للوصول إلى دولة الرفاه.

اهتمام الملك بقضايا المرأة بدأ مبكراً منذ كان في ولاية العهد، والدليل على ذلك تصريحه الشهير في المنطقة الشرقية في 1999 عن حقوق المرأة. أثار ذلك التصريح استياء المشايخ، مما استدعى تصريحاً لمسؤول بارز، قال فيه: «تصريح ولي العهد عن حقوق المرأة لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية». ولاحقاً، بدأت المرأة السعودية تظهر في الوسط الاقتصادي والحكومي بنحو لافت، في قرارات ـــــ تسجل للملك ـــــ هي الأولى من نوعها في المملكة. فدخلت المرأة في مجالس إدارة الغرف التجارية، وعيّنت نورة الفايز نائبة لوزير التربية والتعليم، والدكتورة هيا العواد وكيلة لوزارة التربية والتعليم، والدكتورة أروى الأعمى مساعدة لأمين مدينة جدة السابق عادل فقيه. كذلك زاد عدد المستشارات غير المتفرغات في مجلس الشورى، وتأسست جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن (للبنات)، وعُيّنت الدكتورة هدى العميل مديرة لها، ومنحت الدكتورة خولة الكريع وسام الملك عبدالعزيز. وكُسر تابو الاختلاط عبر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حين أقال الملك الدكتور سعد الشثري من هيئة كبار العلماء، يوم جاهر بمعارضة الاختلاط وطالب بفرض وصاية دينية على الجامعة. وساهم الملك في كسر تابو النقاب بظهور ابنته الأميرة عادلة بنت عبد الرحمن للعلن ـــــ وهي صاحبة نشاطات وتصريحات تنويرية خصوصاً في مجال حقوق المرأة ـــــ واستقبال الملك المتكرر للوفود النسائية، وغير ذلك من القرارات والتلميحات.

الحوار والتنوّع والانفتاح واضحة في مشروع الملك عبد الله، ومنها دعوته إلى الحوار الوطني حين كان ولياً للعهد (رغم الملاحظات التي ارتآها مراقبون حول عدم تطور التجربة وعدم تطبيق توصياتها)، ثم دعوته إلى حوار الأديان حين أصبح ملكاً، وقراره بأن تضم هيئة كبار العلماء كلّ المذاهب السنية، إضافة إلى مشروع الابتعاث إلى الخارج لتطوير الشباب السعودي. وفي تلك الخطوات، تجديد للخطاب الديني عبر حثه على الحوار وقبول الآخر، إضافة إلى الحرب على الإرهاب التي استدعت شحذ همم المثقفين والعلماء المعتدلين لمحاربة الانغلاق والكراهية، داخل الخطاب السعودي الديني التقليدي. وكان دعم الملك عاملاً إيجابياً في توسيع هامش الحرية في الصحافة والإعلام، وهو حاميه وضمانته.

كذلك يتضح في مشروع الملك موضوع المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي وتحقيق المواطنة. نستطيع أن نرى ذلك حين نعرف أنّ الملك هو الجندي المجهول خلف تفعيل الانتخابات البلدية في عهد سلفه الملك فهد. وهو، في لفتة معنوية، استقبل مراراً وفوداً شيعية، وهو حريص على التواصل معهم.

كذلك احتلت محاربة الفساد وتحسين أداء الأجهزة الحكومية للوصول إلى دولة الرفاه، مساحة واضحة في تصريحات الملك حين ينتقد تعثر بعض المشاريع الحكومية وتقصير بعض الوزارات، ثم حربه على الفساد بعد كارثة السيول في جدة، وتصريحه بأنّه سيصار إلى التحقيق ومحاسبة «كائناً من كان». وفي هذا السياق، يأتي اهتمام الملك بملف إصلاح القضاء، إذ خصص مبلغ 7 مليارات ريال لتطوير مرفق القضاء، ومن ثمرات ذلك الشروع في اعتماد تنظيم قضائي جديد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2007.

بعد فشل ثورة حنين المزعومة في 11 مارس/ آذار 2011، تكشفت بعض الإرهاصات الرمزية التي تجعلني أخشى على مشروع الملك عبد الله للإصلاح. ففي أبريل/ نيسان 2011، أصدرت وزارة الداخلية قراراً بمنع السيدات من العمل في وظيفة مسؤول صندوق (كاشيير) ـــــ وقد تسربت وثيقة القرار عبر الإنترنت. القرار صدر نتيجة دراسة أجرتها لجنة في وزارة الداخلية، وهي «اللجنة الاستشارية المعنية بدراسة ما يشتبه أنّ فيه إساءة للدين الإسلامي الحنيف والقيم والعادات الاجتماعية». من جانبها، نفت وزارة العمل ـــــ رائدة المشروع ـــــ وقف عمل السيدات في تلك الوظيفة، ونتيجة هذا الالتباس فصلت بعض الشركات السيدات والفتيات اللاتي جرى تعيينهن مسبقاً (قرار وزارة الداخلية مناهض لروح تعميم مجلس الوزراء في مايو/ أيار 2004 الذي دعم توظيف المرأة في كل المجالات).

كذلك، اعتقلت وزارة الداخلية الناشطة منال الشريف، في مايو/ أيار 2011، بعد قيادتها السيارة بالمنطقة الشرقية. اتهمت منال بالإخلال بالنظام، وتأليب الرأي العام. (لا أدري كيف أخلّت منال الشريف بالنظام، في ظل عدم وجود أي مادة نظامية تمنع المرأة من قيادة السيارة. إنّ قراري وزارة الداخلية السابقين غير نظاميين بسبب توقيع المملكة على اتفاقية سيداو المناهضة للتمييز ضد المرأة).

كذلك مُنعت المرأة من المشاركة في الانتخابات البلدية، بعد وعد من وزارة الشؤون البلدية قبل 6 سنوات بأنّها ستشارك في الدورة الحالية. (هذا القرار بما فيه من رمزية موجهة ضد المرأة ـــــ كما في القرارات السابقة ـــــ تسبب أيضاً في إضعاف صدقية وعود الحكومة).

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إجراء الانتخابات البلدية من دون أي تعديلات جوهرية تطال نظامها الأساسي ـــــ بعد تعطيل دام سنتين بحجة دراسة التجربة ـــــ يشير إلى تباطؤ النظام في توسيع المشاركة الشعبية. فلا تزال المجالس بلا صلاحيات رقابية أو تشريعية، ورغم حصر صلاحيات المجالس في البعد الاستشاري، يصمم النظام على تعيين نصف أعضائها.

كذلك، صدرت تعديلات نظام النشر في 30 أبريل/ نيسان 2011، ونصّت على العديد من المواد الغامضة التي يمكن أن تستخدم ـــــ في حال توافر سوء النية ـــــ ضد حرية التعبير والنشر. من تلك المواد منع أي وسيلة صحافية أو إعلامية نشر «ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة، ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية، ما يضر بالشأن العام في البلاد، التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أي من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة».

ولجأ المعنيون إلى التعاطي السلبي مع احتجاجات المناطق الشيعية شرق البلاد، بل حاولوا إلصاق ثورة حنين بالطائفة الشيعية، في حين أنّ احتجات المواطنين في المنطقة الشرقية مشروعة، ومن أجل قضية عادلة (اعتقال بعض المواطنين منذ 16 سنة من دون محاكمة!). هذا إذا ما تجاهلنا أنّ أعمال التظاهر والاحتجاج مشروعة في ظل الالتزام بمبدأ السلمية والطرق الحضارية (الحديث عن منع التظاهر أو تحريمه وتجريمه، لا أساس له بعد توقيع المملكة على الشرعة العالمية لحقوق الإنسان).بالإضافة إلى ذلك، كان هناك السكوت، أو عدم التصدي للنبرة الطائفية العنصرية التي بدت من بعض الوعاظ والعلماء المتطرفين في المملكة ضد الطائفة الشيعية، مما أدى إلى احتقان واضح تتجلى مظاهره في شبكات التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية. ووصل الأمر إلى أن نشر أحد التجار إعلاناً مدفوعاً في إحدى الصحف يؤكد أنّه ينتمي «إلى أهل السنة والجماعة»، وليس إلى أي طائفة أخرى!

وكان التعاطي السلبي مع الاعتصام الذي حصل أكثر من مرة أمام مقر وزارة الداخلية في الرياض. سبب تلك الاعتصامات أنّ عدداً كبيراً من المعتقلين في قضايا الإرهاب، منذ فترة طويلة تناهز السبع سنوات، لم يحاكموا. وهناك حديث من بعض الأهالي عن أنّ تلك الاعتقالات غلب عليها التعسف والمبالغة.

كذلك، حصلت موجة اعتقالات طاولت بعض الناشطين والمحتجين على هامش احتجاجات المنطقة الشرقية واعتصام أهالي المتهمين في قضايا الإرهاب.

في الوقت نفسه، أظهرت السياسة الخارجية المملكة في موقف المناوئ للربيع العربي الذي بدأ بثورة تونس ثم ثورة مصر، وتمدد إلى ليبيا واليمن والبحرين والجزائر والمغرب وعمان والأردن وسوريا. ويجعل ذلك البلاد تبدو ـــــ سواء صحّ ذلك أو لم يصح ـــــ في موقف معاد لحقوق الإنسان والديموقراطية. ومن مظاهر ذلك، استضافة المملكة للرئيس التونسي زين العابدين بن علي ـــــ الذي طرده شعبه ـــــ وحمايته من ملاحقة الإنتربول، إظهار الدعم للرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في خضم الثورة في مصر، ثم ما روي في الصحافة المصرية عن تدخل سعودي لمنع محاكمته وعرض استضافته في المملكة، وعدم إدانة مجلس الوزراء السعودي لجرائم معمر القذافي في ليبيا، على الرغم من الدور الكبير الذي أدته المملكة في فرض الحظر الجوي على نظام القذافي، وإظهار التضامن ـــــ ولو شكلياً ـــــ مع نظام البعث في دمشق والرئيس السوري بشار الأسد وعدم إدانة المجازر التي ترتكب بحق السوريين الأحرار. يستثنى هنا التعاطي السعودي والخليجي الممتاز مع ملف الثورة اليمنية، على الرغم من عدم إدانة مجلس الوزراء ـــــ علناً ـــــ مجازر الرئيس علي عبد الله صالح ضد الثوار في اليمن.

وفي ما يخص السياسية الخارجية كذلك، وقفت المملكة خلف الموافقة على انضمام الأردن، ودعوة مملكة المغرب، إلى مجلس التعاون الخليجي، ليظهر المجلس في خانة «نادي الملوك»، بعدما كان «نادي النفط». هذا، في ظل البطء الشديد الذي يعانيه الملف اليمني ـــــ الأكثر أهمية ومنطقية على كل الصعد ـــــ للقبول في أروقة المجلس.

جزء كبير من الإشكالات السابقة ـــــ بعد ثورة حنين) وحولها ـــــ سببه وزارة الداخلية. القائمون على الوزارة قيادات لها احترامها ومكانتها في الشارع السعودي بسبب قيمتها السياسية والشخصية. وإنّني أثق بأنّ شخصيات في وزن الأمير نايف بن عبد العزيز (وزير الداخلية) والأمير أحمد بن عبد العزيز (نائب الوزير) والأمير محمد بن نايف (مساعد الوزير) يتفهمون الرأي الآخر ويحترمونه، من باب إحسان الظن وريادة المصلحة العامة.

وزارة الداخلية، وإن كانت وزارة سيادية، هي في الوقت نفسه وزارة خدمية، مهمتها الأولى والأساسية تقديم خدمة الأمن للمواطنين والمقيمين. لذلك، يجب ألّا تستثنى وزارة الداخلية من النقد، لأنّ ذلك يساعدها ويدعمها في أداء مهمتها المطلوبة. وهذا النقد ليس بالضرورة انشقاقاً أو قلّة احترام للقائمين على الوزارة، خصوصاً أنّني أكنّ للنظام الأساسي للحكم (دستور البلاد) كلّ ولاء وتقدير.

تبدو وزارة الداخلية منحازة للتيار المحافظ أو الإسلاموي في المملكة، على حساب التيارات الأخرى، وهذه مشكلة لها ما يفسرها. يرتبط جهاز وزارة الداخلية في شخصيته بتكوين «شخصية الشرطي». مهمة الشرطي تطبيق الأوامر لحفظ الأمن، وهذا يقتضي الحرص والحذر والتخوف لحماية الاستقرار العام. يرتبط التغيير في ذهن الشرطي بالاضطراب، لذلك يتوجس عند المستجدات والتطورات، ويفضل بقاء الوضع القائم على ما هو عليه. من أجل ذلك، يبدو انحياز وزارة الداخلية للمحافظة واضحاً، مثلاً: قرار الوزارة في أغسطس/ آب 2009 بمنع العروض السينمائية في كلّ أنحاء البلاد، وتصريح وزير الداخلية تعليقاً على خطاب الملك في مجلس الشورى (2009): «تعيين المرأة عضواً في مجلس الشورى لا لزوم له».

لا تقوّم شخصية الشرطي الأمور بغير منظار الأمن، وإذا بقيت العقلية الأمنية، بدون حسيب ولا رقيب، فإنّها تطغى لتحيط قبضتها بكل نشاطات المجتمع، ومن هنا جاء وجود «اللجنة الاستشارية المعنية بدراسة ما يشتبه أنّ فيه إساءة للدين الإسلامي الحنيف والقيم والعادات الاجتماعية» بالوزارة. قد يُفهَم وجود هذه اللجنة في وزارة الثقافة والإعلام، أو مجلس الشورى، أو وزارة الشؤون الإسلامية، أو وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن وجودها في وزارة الداخلية غير مبرر، مثل حاجة المواطن السعودي ـــــ أو المواطنة ـــــ إلى أخذ إذن الوزارة في حال الزواج من جنسية أخرى!

ما يفسر انحياز الوزارة الظاهر للتيار المحافظ هو أنّ شخصية الشرطي في الوزارة تأبى التغيير لحفظ الأمن، وشخصية الواعظ داخل التيار المحافظ تأبى التغيير خوفاً من البدعة وفقدان وصايتها (سلطتها) على المجتمع، حين تتقدم قيمة الحرية على قيمة الأمن، وحين تتقدم قيم التغيير على قيم المحافظة. يستمد التيار المحافظ سطوته من وزارة الداخلية، لأنّ شخصية الشرطي حين تأبى التغيير من منظور الأمن، تعتقد أنّها تلبّي رغبة أغلبية المجتمع التي تظنها محافظة (وهنا يتذكر السعوديون إغلاق وزارة الداخلية بعض المنتديات الإلكترونية الليبرالية أو التنويرية، رغم معاداتها لفكر التطرف مثل منتديات «طوى»).

في 26 مايو/ أيار 2011، صرّح الأمير أحمد بن عبد العزيز (نائب وزير الداخلية)، على هامش جائزة الأمير نايف للسنّة النبوية: «ليست مهمة الوزارة أن تقول هذا التصرف صح أو خطأ، مهمة الوزارة هي تطبيق الأنظمة، ونحن ملتزمون بتعميم صدر عام 1990 بمنع قيادة المرأة للسيارة». شخصية الشرطي ـــــ كما ذكرنا ـــــ تطبق الأوامر لحفظ الأمن، لكنّها في الوقت نفسه مستعدة لانتهاك الأنظمة في سبيل تحقيق الهدف السامي وهو الأمن، لأنّه من وجهة نظرها مقدّم على الحقوق.

التزمت وزارة الداخلية بالتعميم الرسمي الصادر في 1990 القاضي بمنع المرأة من قيادة السيارة، واعتقلت منال الشريف بعد قيادتها للسيارة في الخبر، بتهمة الإخلال بالنظام وتأليب الرأي العام. لكنّ الوزارة، في المقابل، وفي سبيل الحفاظ على الأمن، تنتهك «نظام الإجراءات الجزائية» كأنّه غير قائم، حين تتعاطى مع قضايا الناشطين السياسيين (قضية علي الدميني ود. عبد الله الحامد ود. متروك الفالح والمعتقلين الاثنى عشر من مارس/ آذار 2004 إلى أغسطس/ آب 2005) أو قضايا الإرهاب (ومنهم الناشطون المعتقلون في «قضية جدّة» منذ نحو خمس سنوات بتهمة تمويل الإرهاب الذين بدأت محاكمتهم أخيراً في ظروف صعبة)، وقضية «السجناء المنسيين» التي تظاهر من أجلها الشيعة في المنطقة الشرقية، وهي كلّها دليل ناصع على هذا الانتهاك. شخصية الشرطي المحصنة بالسلاح ممثلاً للدولة في حق الإكراه، حين يغيب الرقيب على أدائها، يسيطر عليها هاجس الأمن الذي يدفعها إلى الاعتقاد بأنّها الأكثر تأهيلاً لتحقيق العدل على حساب دور القضاء والأنظمة القانونية القائمة. فشخصية الشرطي تعتقد أنّ ثمة مساحات رمادية في القانون من الممكن أن ينفذ منها المتهم إلى حرية، بدلاً من العقاب الذي يستحقه من وجهة نظرها. وهذا ربما يفسر تبعية رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام (ما يوازي «المدعي العام» في الدول الأخرى) وظيفياً إلى وزير الداخلية، وهذه حالة ليس لها مثيل في كل دول العالم.

كانت العلاقة بين المثقف (في دوره السياسي) ووزارة الداخلية قبل الربيع العربي مشوبة بالتوتر والصدام، ولا استثناء في السعودية. ظاهرة قرارات «منع السفر»، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية، التي تمارسها وزارة الداخلية على المثقفين المستقلين أصبحت مشوبة بالامتعاض. كتب تركي الدخيل في 1 أغسطس/ آب 2009 في صحيفة الوطن: «خلال الأسابيع القليلة الماضية تبادلت مواقع الإنترنت أنباءً متفرقة عن رفع منع السفر عن مجموعة من الناشطين الذين تحفظت وزارة الداخلية على بعض أنشطتهم. قد يقول البعض إنّ المنع كان يستند إلى احترازات أمنية، مع أني أستبعد ذلك، لأنّ الممنوعين من السفر كانوا يتمتعون بحرية الحركة داخل البلاد». ويضيف الدخيل: «حرية التنقل هي أحد الحقوق الإنسانية الرئيسة التي نعتقدها جميعاً. إنّ التعاطي مع المنع من السفر بوصفه عقوبة أو أشبه ما يكون بالعقوبة، هو خطأ في حق الوطن. منع المواطن من السفر من وطنه، شبه إقرار بأنّ هذا الوطن سجن كبير، ومن أشكال العقوبة أن نجعلك بين قضبان حدوده! لا أحد يرجو لوطنه أن يكون كذلك، ولو في أحاسيس بعض الممنوعين من السفر، وبخاصة إذا لم تكن ضدهم أحكام قضائية، أو تهم جنائية». الأمل هو أن يلتفت المقام السامي، بجدية وتجرّد، إلى ملف المنع من السفر والاعتقالات السياسية، ثم إغلاقه إلى الأبد، ليطوي ظلماً استفحل مداه.

لقد كان خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز، حين تولى الحكم، واضحاً وحاسماً: «سأضرب بسيف العدل هامة الظلم والجور». كلام الملك لم يبق أسير الورق، وبدأ يتجه إلى الفعل مع اهتمامه اللا محدود بمرفق القضاء وتطويره. لكن لن تصل كلمات الملك إلى مبتغاها إلا حين تعالج إشكالات عدّة. من تلك الإشكالات حسر مساحة الخوف لصالح مساحة الثقة في علاقة المثقف المستقل والناشط، والمواطن السعودي عموماً، بوزارة الداخلية، عبر الاحتكام إلى قيم الحق والعدل والمواطنة، وهذا يتأتى بالتزام الوزارة بحقوق الإنسان والأنظمة القائمة، خصوصاً نظام «الإجراءات الجزائية». كذلك، يجب حماية وزارة الداخلية من «شخصية الشرطي»، عبر حصر دورها في حفظ الأمن والتصدي لمنتهكي القانون، وفك ارتباط أمراء المناطق بها عبر إنشاء وزارة للحكم المحلي، وتمكين جهاز هيئة التحقيق والادعاء العام من الاستقلالية الواجبة. كذلك المطلوب حماية الحياة السياسية في البلاد من «شخصية الشرطي»، عبر سحب الملفات السياسية المنوطة بوزارة الداخلية إلى جهات سياسية أخرى ذات صلة، كالديوان الملكي ومجلس الشورى، واعتماد القضاء المستقل الذي يحتكم إلى قوانين واضحة مرجعاً في حال نشوب الخلاف. ومن جهة أخرى، العمل مستقبلاً على فك الارتباط بين منصب وزارة الداخلية وأي منصب سياسي آخر. من الضروري ايضاً، فك الارتباط بين ملف الأقليات وبين وزارة الداخلية لتحقيق قيم «المواطنة» و«العدالة»، خصوصاً أنّ النظرة للأقليات بما هي بؤر قد تشكل خطراً أمنياً يعني شرخاً قاسياً في مشروع الإصلاح يضر بالنظام حين يظهر في موقع التفرقة (ما قد يؤثر على ولاء المواطنين له) ويضر بالأقليات حين يحرمها من بعض الحقوق.

كذلك، ليس عدلاً أن يفني المثقف المستقل عمره خائفاً من جهاز يريد «عسكرة» المجتمع (وزارة الداخلية)، تحسباً من منع من السفر أو اعتقال تعسفي، وأن يصارع كذلك تياراً يريد أدلجة الإنسان (التيار الإسلاموي). يكفي أن تقف وزارة الداخلية في موقع الحياد لا الخصم أو الطرف. ويجب أيضاً النظر في ملف القضاء بجدية، فلا تكون الخصومة السياسية مع النظام أو ممارسة حرية التعبير حاجزاً يمنع سيف العدل عن هامة الجور والظلم.

بقيت الإشارة إلى عيب أساس في «شخصية الشرطي»: إنّ اعتقال منال الشريف لقيادتها للسيارة في دولة هي الوحيدة في كوكب الأرض التي تحول بين المرأة وحقها في حرية التنقل، دليل على النظرة القاصرة والسطحية التي وضعتنا في موقف حرج أمام العالم. كيف تخالف منال الشريف الأنظمة فيما تعلو اتفاقية «سيداو» على الأنظمة المحلية؟ كيف تؤلب منال الشريف الرأي العام وهي تطالب بحق مستحق؟ ما فعلته «شخصية الشرطي» مع منال الشريف، هو تكرار لممارسات حصلت مع الناشطين المطالبين بالإصلاح، والأهم من ذلك، تعاطي «شخصية الشرطي» مع ثورة حنين المزعومة.

- المقالة الثالثة -

الثورة المضادّة في السعوديّة: عودة جهيمان إلى أرض الحرمين [3/3]

أحمد عدنان
صحافي سعودي

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية، ٩ حزيران ٢٠١١

وفق رواية ناصر الحزيمي في كتاب «قصة وفكر المحتلين للمسجد الحرام»، قام في 1966 كل من جهيمان العتيبي، سليمان بن شتيوي، ناصر الحربي وسعد التميمي، بزيارة الشيخ عبد العزيز بن باز ليبلغوه أنّهم قرروا تأسيس جماعة سلفية تنبذ التمذهب، وتدعو إلى التوحيد والتمسك بالكتاب والسنّة، كما قرروا أن يسمّوا مجموعتهم «الجماعة السلفية». عرضوا على الشيخ أن يكون مرشدهم، فوافق بن باز، وعدّل اسم المجموعة ليصبح «الجماعة السلفية المحتسبة». كان تأسيس تلك الجماعة ثمرة حدث وقع في 1965 في المدينة المنورة، حين قام بعض هؤلاء بمشاركة آخرين من «الإخوان» (ليس المقصود الإخوان المسلمين بل السلفيين) بالاعتداء على استديوهات التصوير، والمحال التجارية لتكسير الصور وتماثيل العرض.

عملت «الجماعة السلفية المحتسبة» في العلن، وحظيت بدعم رجال الدين وعلى رأسهم بن باز والشيخ أبو بكر الجزائري. مرّت الجماعة بأطوار متعددة، بدأت بانشقاق جهيمان العتيبي عن النظام الحاكم، وانشقاقه عن بن باز الذي وصفه جهيمان: «هذا الرجل أعمى البصر والبصيرة ومن مشايخ آل سعود»، لتنتهي قصة «الجماعة السلفية المحتسبة» بحادثة احتلال الحرم المكي على أيدي جهيمان ورفاقه في 1979.

أستحضر حكاية جهيمان وجماعته في سياق ما أثير في المملكة عن ثورة حنين التي فشلت في 11 مارس/ آذار المنصرم. فشلت قبل أن تبدأ، وسقطت قبل أن تقف. لم يكن هناك مؤشر واحد على نجاحها، ومع ذلك فسّر الفشل بوقفة المؤسسة الدينية والتيار الإسلاموي إلى جانب النظام. وبما أنّ هذه المؤسسة لا تنظر بارتياح إلى مشروع الملك عبد الله للإصلاح والتحديث، بالإضافة إلى معشر السلفيين وأغلب الإسلامويين، فإنّ هذا المشروع ـــــ الذي يعزز المشاركة الشعبية ويمكّن المرأة ويحارب الفساد والتطرف ويدعو إلى الحوار والانفتاح ـــــ حامت حوله مؤشرات سلبية تشير إلى تعطله أو تأجيله في إطار رد الجميل للإسلامويين على موقفهم ضد الثورة المزعومة. يبدو قطار الملك عبد الله للإصلاح متعثراً (وأرجو أن أكون مخطئاً) في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى حركته، ليصلها بالحاضر والمستقبل، مع أنّه يمثل الحد الأدنى من الرؤية الإصلاحية للسعوديين.

بإمكان أي باحث مراجعة بعض الفتاوى المنتشرة في موقع شبكة «نور الإسلام» الإلكترونية أو المواقع الإلكترونية الشخصية لعدد من المشايخ الذين يعرفهم المواطن السعودي جيداً يوسف الأحمد، محمد الهبدان، عبد الله الزقيل، سليمان الدويش، ناصر العمر وعبد الرحمن البراك، وغيرهم. لماذا قدّر للإسلام في المملكة أن يتحدث باسمه أكثر الناس جهلاً وأبعدهم عن سماحة الدين وقيمه العليا؟

فمن فتاوى البراك مثلاً تحريم إدخال الرياضة المدنية إلى مدارس البنات، لأنّها من أدوات التغريب وخطوة من خطوات الشيطان، تحريم عمل المرأة في وظيفة مسؤول صندوق، ووجوب مقاطعة الأسواق التي توظفهن، تحريم فتح دور السينما، وإجازة قتل مبيح الاختلاط بين الرجل والمرأة. البراك الذي يفترض، على رأي البعض، أن يساق إلى مستشفى الأمراض النفسية، يصفه السلفيون والإسلامويون مثل الناشط الإسلاموي إبراهيم السكران بأنّه «أهم رمز شرعي لدى الشباب المسلم المتديّن»! فتاوى يوسف الأحمد، رافع لواء «الاحتساب»، مثل آخر على انحطاط الفكر السلفي، ورداءة الخطاب الإسلاموي السائد في المملكة. فهو يحرّم الاكتتاب في عدد من الشركات المنخرطة في سوق الأسهم، إما بسبب انخراطها في مشروع الغريب أو تعاطيها مع البنوك. كذلك، يحرّم التقاط الصور التذكارية للمرأة مع المسؤولين ولقاءهم ومصافحتهم، وجواز تزويج القاصرات. وفي الوقت الذي يحرم فيه اليوسف الاحتفال بالمولد النبوي والتهنئة به، يقول عن الشيعة « فهو مذهب قائم على الكذب والخرافة والتقيّة ولعن الصحابة وتكفيرهم...». كذلك حرّم سفر الأطفال السعوديين إلى مدرسة نادي ريال مدريد لتدريب كرة القدم لأن في ذلك تسليماً لناشئة الإسلام إلى أهل الكفر!

تلك المجموعة السلفية في بحبوحة من الحركة والتمويل، فقد أتيح لها تأسيس شبكة من المواقع الإلكترونية المتطرفة، وتأسيس قناة تلفزيونية هي «الأسرة»، أغلقت لاحقاً، ثم فتح قناة على موقع يوتيوب. ذلك، على الرغم من أنّها تتحرّك في إطار فكري جوهره ومضمونه معاداة مشروع الملك عبد الله للإصلاح. فمثلاً، اتهم يوسف الأحمد خالد التويجري (رئيس الديوان الملكي) بأنّه سبب الفساد المالي والإداري في البلاد، وأنّه الرجل الذي يقود مشروع التغريب ويحجب الحقائق عن الملك، ويطالب بمحاكمته. وقد شاركه في الهجوم سليمان الدويش وعبد الله الزقيل (الذي وصف رئيس الديوان بـ«البرمكي») وناصر العمر، وسبقهم جميعاً محمد الهبدان في مقال «من يتخذ القرارات في بلادنا». كما هاجم ناصر العمر وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد واتهمه بمخالفة الكتاب والسنّة، ومخالفة الاتفاق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الأولى)، ومخالفة بيعة الشعب للملك عبد الله، ومخالفة السياسة التعليمية. أما السبب فهو اجتماع الوزير ببعض الطالبات، وإتاحته ـــــ اختيارياً ـــــ التعليم المختلط في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية. وشارك يوسف الأحمد في الاتهام معتبراً أنّ الوزير يقود «مشروع إفساد الطالبات واختلاطهن بالرجال منذ تعيينه... ويدخل على الطالبات ويتصور معهن ويصافحهن، باسم النشاط أو الكشافة، ويدعو الطالبات الى الملاعب لحضور مسابقات الفروسية، وأخيراً عقد (ندوة) للحوار بين الطلاب والطالبات في مهرجان الجنادرية»، وشارك في هذه الحملة سليمان الدويش في مقال «هل أوشكت الساعة أن تقوم»، وغيره!

بالتوازي مع الهجوم على وزير التربية والتعليم، لم تسلم نائبته نورة الفايز من التشنيع. فبالإضافة إلى عدم الرضى عن تعيينها، تعرضت الفايز لأقسى هجوم من أكثر من شيخ، وصل إلى حد المطالبة بإقالتها، بسبب زيارتها لإحدى مدارس البنين (المرحلة الابتدائية). قال سليمان الدويش في مقاله «شكراً نورة الفايز»: «شكراً لها لأنّها أعادتنا إلى الوراء، وذكّرتنا بموقف المعارضين لتعليم المرأة النظامي، وجعلتنا نتأمل في سبب معارضتهم. لقد جعلتنا نعترف بفطنة الممانعين، وبعد نظرهم ...». وتعرّضت الفايز للهجوم أيضاً لتأييدها قبول البنين في مدارس البنات في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية. وقال يوسف الأحمد في صحيفة «سبق» الإلكترونية في 21 يونيو/ حزيران 2009: « ثبت علمياً أنّ تدريس المرأة للبنين يزيد هرمونات الأنوثة عند الطلاب، وأنّها من أهم أسباب وجود الجنس الثالث في الفيليبين»!

واتهم يوسف الأحمد أيضاً وزير العدل الدكتور محمد العيسى بأنّه خالف الشريعة حين طبق الأمر الملكي، وأكد اختصاص وزارة الثقافة والإعلام بالنظر في قضايا الإعلام والنشر، لا المحاكم الشرعية. كما كان وزير الإعلام السابق إياد مدني، هدفاً مستباحاً للهجوم. وأصدر محمد الهبدان بياناً (وقّع عليه العشرات) يصف فيه وزارة الثقافة والإعلام في عهد مدني «بتبنّيها وإصرارها على نشر ما حرّم الله من الفكر المنحرف... والسعي الى نشر الفساد والرذيلة وبث الشبهات بين أبنائنا وبناتنا، وحمل لواء الدعوة إلى تغريب المجتمع؛ كالدعوة إلى التبرج والسفور، والاختلاط المحرم، وقيادة المرأة للسيارة، وإنشاء النوادي النسائية، وفتح دور السينما، وعروض الأزياء، ومسابقات ملكات الجمال، وإبراز المرأة المتبرجة والمخالطة للرجال في العمل على أنّها مثال المرأة السعودية». لم يسلم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة هو الآخر من الهجوم. زاره يوسف الأحمد في وزارة الإعلام، وتحدث عن «دعم الوزارة لمشاريع تغريب المجتمع السعودي من خلال التلفاز والصحافة والإذاعة ومعرض الكتاب، وأنّ الوزارة لا تلتزم بالأحكام الشرعية ولا بالأنظمة الرسمية». وانتقد الأحمد زيارة خوجة لقنوات «إم بي سي» وروتانا، وكتابته في صحيفة «إيلاف» الإلكترونية، لأنّها أكثر الصحف عداءً للمنهج الشرعي في السعودية، وفق الأحمد.

واستمر يوسف الأحمد في فتاواه وانتقاداته، فرأى أنّ مشروع الملك عبد الله للابتعاث الخارجي للتعليم «مشروع علماني تغريبي»، فيما تحدث محمد الهبدان عن «خطورة تسويق وترويج الابتعاث». كما أعلن ناصر العمر أنّه وجّه خطاباً للملك يحذّر فيه من خطورة ابتعاث الطلبة السعوديين إلى الغرب. ولم يسلم مشروع الابتعاث من هجوم سليمان الدويش. وفي موضوع المواطنة، يتجلى موقف الشيوخ هؤلاء العنصري من الشيعة. ويستطيع القارئ الاطلاع على البحث المقزز لناصر العمر «واقع الرافضة في بلاد التوحيد»، في المواقع الإلكترونية. من جانبه، أراح عبد الرحمن البراك نفسه وأفتى بتكفير الشيعة، فيما كان الدويش أكثرهم لطفاً حين قال: «أكره الشيعة وأستخدمهم»!

تكشف التصريحات والمواقف السابقة حقيقة لا لبس فيها: ثمة وعاظ ودعاة متطرفون، يناهضون الملك عبر التهجم على رجاله ومشاريعه. وقد أبلغ أولئك من قبل وزير التربية والتعليم ووزير الثقافة والإعلام بأنّهم ينفذون مشروع الملك ولم يرتدعوا. هؤلاء يتحدثون عن مشروع «التغريب والعلمنة»، ومن خلال مواقفهم نفهم أنّ «التغريب» هو مشروع الملك التنويري، وأنّ رجال التغريب هم رجالات الملك الذين يبتغون التطوير والإصلاح، لأنّ هجومهم لم يخرج عن هذه الدائرة إلا نادراً. تشير هذه التصريحات والمواقف، بوصفها قرائن، إلى وقوف هؤلاء الدعاة خلف ثورة حنين، ولو على نحو غير مباشر، عبر التأليب على الملك. وأذكّر بدراسة الباحث إبراهيم السكران «تطوّرات المشروع التغريبي في السعودية»، لتكشف الثورة الجدية المضادة على مشروع الملك للإصلاح.

ترفع وزارة الداخلية شعار «الأمن الفكري»، في مواجهة فكر التطرف والإرهاب. مصطلح ضبابي يوحي ـــــ ولو عن غير قصد ـــــ بالأحادية وعسكرة الفكر. ومع ذلك، أتساءل تحت مظلة «الأمن الفكري»عن السماح للأحمد والعمر والدويش، ورفاقهم، باستباحة البلاد، صوتاً وصورة وكتابة، والتحرك داخل الأراضي السعودية، على رؤوس الأشهاد، لبث الأفكار المتطرفة. أتساءل أيضاً عن الصمت الرسمي إزاء إعلان الأحمد في مايو/ أيار 2010، تأسيس جماعات احتسابية (ميليشيا) في كل أنحاء المملكة، تتبع له شخصياً، وتصل وقاحة المحتسبة في مارس/ آذار 2011 إلى التعدي على أعراض الناس، وضيوف المملكة، في معرض الرياض الدولي للكتاب. إذا كان لبرنامج «الأمن الفكري» من جدوى، فليبدأ بهؤلاء، وينصح البعض البرنامج بالاستعانة بخيرة الأطباء النفسيين، لمعالجة هؤلاء المتطرفين من أمراض جنون الارتياب ورهاب الغرب والهوس الجنسي، وليس أدل على ذلك فتوى يوسف الأحمد بإعادة بناء المسجد الحرام لمنع الاختلاط!

يقتضي الأمن الفكري أيضاً التنبه للمواقف التي تشرّع استخدام العنف ضد المواطن والدولة، كالحديث بأنّ من أسباب الإرهاب استفزاز الصحافة الليبرالية للشباب المسلم. لقد أصبح هذا الفكر المتطرف والسكوت عليه هو المستفز للمجتمع والمسيء للإسلام والمحرج للنظام والمثبط لمشروع الدولة، ومن المحزن استخدام الأمير خالد بن طلال، بسبب ظروفه الخاصة، كأداة في مشروع التطرف، كما يلاحظ المتابعون من خلال موقعه الإلكتروني (لجينيات).

حين أعلن النظام تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 1962، جاء في بيان حكومة رئيس الوزراء الأمير فيصل بن عبد العزيز: «إصلاح وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يضمن اجتثاث بواعث المنكر من قلوب الناس ما استطعنا لذلك سبيلاً». يشير النص إلى احتكار المنكر في قلوب الناس، واحتكار الفضيلة للهيئة ورجال الدولة. وبالتالي، منحت «الهيئة» سلطة التفتيش على القلوب والنوايا. يدور الزمان، ويتفاقم الاستياء من جهاز الهيئة، فيقوم النظام بتهذيب سطوته، لتظهر فئة أكثر تطرفاً تدّعي السلطة على عقول الناس وقلوبهم، بذريعة «الاحتساب». لن نتمكن من مواجهة هؤلاء المتطرفين إلا بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأسيس برلمان منتخب، وصحافة حرة، وقضاء مستقل، لتقوم هذه الأجهزة بتحقيق الإصلاح ومواجهة الفساد والتطرف.

إنّ ظاهرة «المحتسبين»، وما رافقها من حراك، جديرة بالتوقف ملياً. فاستباحة أعراض الناس وكراماتهم، في معرض الرياض للكتاب، تذكّر بـ«الجماعة السلفية المحتسبة»، ويفترض أن يقف النظام ضد هذه الظاهرة كي لا تتكرر حادثة جهيمان التي جاءت امتداداً لـ«الجماعة السلفية المحتسبة». ظاهرة «الاحتساب» هي مقدمة لصنع جهيمان جديد، وأخشى أن يكون تستر المتطرفين خلف عباءة الدين عائقاً أمام الحزم والحسم. وهنا أذكّر بتصريح الملك فهد بن عبد العزيز لصحيفة «السفير» في 10 يناير/ كانون الثاني 1980 عن جهيمان ورفاقه: «إنّ هذا الحدث نعيشه منذ 6 أو 7 سنوات ونعرفه بالضبط، هناك مجموعة تحاول جعل العقيدة الإسلامية أو التحدث باسم العقيدة الأساس في التوجه الذي تسير عليه، ويأتي أفرادها إلى المسجد وإلى الناس البسطاء ويحاولون إفهامهم بطريقة أو بأخرى أنّ العقيدة بدأت تضعف في المملكة وأنّه لا بد للقاعدة الإسلامية من أن تنتبه، وقد اتخذنا إجراءات ضدهم في السابق، لكن البعض تدخّل للإفراج عنهم عن حسن نية اعتقاداً بأنّهم ربما يكونون مفيدين في الدعوة».

لا تعايش بين منطق «الدولة» ومنطق «التطرف». لن يتمكن النظام من تلبية مطالب المحتسبين، لأنّ النتيجة هي التحوّل إلى «طالبان»، ولن يتمكن المتطرفون من السكوت، وسيلجأون من الإنكار بالقول إلى الإنكار بالفعل. وإذا استجاب النظام لبعض مطالب المتطرفين، فهذا يعني منحهم مشروعية اجتماعية للتوسع والاستقطاب، وأي اعتقاد بأنّه يمكن عقد علاقة آمنة بين النظام والإسلام السياسي المتطرف سيبوء بالفشل. لقد فشلت تجربة المملكة مع أسامة بن لادن بعد الجهاد الأفغاني، كما فشل كل من أنور السادات في مصر وجعفر النميري في السودان مع التيارات الإسلاموية. 

ثمة خطوات حدثت بعد 11 مارس/ آذار ستعزز فكر التطرف، منها إقالة أحمد قاسم الغامدي من رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة بسبب موقفه المؤيد للاختلاط. كان قرار الإقالة مريباً، فقد أقيل الغامدي قبل ذلك، وتدخل الديوان الملكي وألغى القرار، لكنّه هذه المرة بقي وحيداً. بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتقال الناشطة منال الشريف وإحالة ملف حملة «سأقود سيارتي بنفسي» التي تشجع المرأة على قيادة السيارة إلى القضاء. هذه الإجراءات لم تردع المتطرفين، فزارت مجموعة من الدعاة المتطرفين ـــــ منهم ناصر العمر ومحمد الهبدان ويوسف الأحمد ـــــ في مايو/ أيار 2011، الديوان الملكي وسلمت خطاباً يتضمن مطلبين: إقالة وزير التربية والتعليم، وفصل تعليم البنات عن وزارة التربية وإعادته إلى المشايخ، وكأنّ المطلوب في النهاية دولة «ولاية الفقيه السني».

وفي السياق نفسه، أعلن الملك تعديل نظام النشر في 18 مارس/ آذار 2011، بحيث يمنح المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء حصانة إعلامية من التجريح الشخصي. لم تتلق الأوساط الفكرية والصحافية التعديلات بارتياح، لأنّه لم يتم أي تجريح شخصي للمفتي أو أعضاء هيئة كبار العلماء في الصحافة، لكن مناقشة الآراء المتطرفة التي صدرت من بعض الوعاظ أو العلماء ونقدها. وحين انتقدت الصحافة الوعاظ والعلماء، فعلت ذلك إما اصطفافاً مع النظام عليهم، أو امتعاضاً من تطرفهم الفاضح، وتنفيساً لتذمر المجتمع المحتقن من الوصاية الدينية والإسلاموية. وصاية تريد العودة إلى زمن كانت تهان فيه الصحافة بسبب نقد أو مناقشة خطاب ديني لا يرتبط بالعصر أو بالإسلام.

لن يتمكن النظام من مواجهة فكر التطرف، إلا إذا سار في الاتجاه المضاد، أي المضي بلا تردد باتجاه دولة المؤسسات وسيادة القانون وتكافؤ الفرص، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، واحترام حقوق الفرد، وتمكين المرأة، والحوار والانفتاح مع الآخر في الداخل والخارج، والتصدي للتمييز بكل أشكاله، ومحاربة الفساد المالي والإداري.

أخشى أن نكون في مرحلة شبيهة بتلك التي يواجهها الغوّاص في أعماق البحار والمحيطات حين يفقد اتجاهه ويهبط إلى القاع وقت يظن أنّه يصعد إلى السطح!

- انتهى ودمتم في رعاية الله -

...

نبذه عن المجلة : wikileaks-alarabia

أدارة مجلة ويكيليكس العربية , تتمنى للجميع قراءة ممتعه متمنية من القارئ و الزائر !! قبل الاستنتاج لابد لك ان تعرف اهداف وتوجهات المجلة فموقعنا كأي موقع اخباري ولكننا نتميز عن غيرنا بعدم حذف الجمل والحروف الناقصة والتي دائما ما تجدها محذوفة في اغلب الصحف الاخبارية والقنوات الاعلامية !!!
«
التالي
رسالة أحدث
»
السابق
رسالة أقدم